
كتبت: رنيم علاء نور الدين
جريمة عنوانها الأساسي هو انعدام الرحمة من قلوب البشر.
ففي يوم 7 يوليو 2025، استيقظ الجميع على جريمة بشعة، ليست بشدة القتل فحسب، بل ببشاعة من ارتكبها.
لقد أصبحت الرحمة عملة نادرة، وأصبح القتل فعلًا سهلًا يشبه لعبة فيديو. يُمارَس للترف أو الانفعال، بلا عقل أو قلب. فماذا فعلت تلك السيدة لتكون نهايتها بهذه الطريقة القاسية؟ وهل يستحق الحنان كل هذا العقاب؟
كانت الضحية سيدة أربعينية كرّست حياتها بالكامل لأبنائها الاثنين، وقدّمت لهم كل ما استطاعت من مأكل وملبس ومسكن، رغم أنها مصابة بشلل نصفي جعلها طريحة الفراش لا تقوى على الحركة.
لكنها بقيت، رغم كل شيء، الأم المحاربة التي لا تنكسر لأجل أولادها.
داخل غرفة بسيطة في منزل متواضع، كانت الأم – البالغة من العمر 45 عامًا – تعاني في صمت، تئن من تعب نفسي أكثر من الجسدي، وتحاول أن تقنع نفسها أنها لم تُقصّر في حق من أنجبتهم.
ما لم تكن تعلمه، هو أن أولئك الذين كانت تحزن لأجلهم، ابنها البالغ 19 عامًا وابنتها صاحبة الـ18 عامًا، سيكونان سبب موتها.
وفي مساء ذلك اليوم، خيّم صمت ثقيل على المنزل، لم يقطعه إلا رائحة الموت المتسربة من خلف الأبواب.
دخل الابن إلى الغرفة يحمل طبق طعام، ووضعه أمام والدته، لكنها رفضت الأكل.
حاولت الابنة إقناعها، لكن الأم أدارت وجهها في صمت… ربما كانت تلك صرخة أخيرة لكرامة جُرحت.
وهنا، بدلًا من أن يرق قلبهم، انفجرا في نوبة غضب هستيرية.
ركلا وصفعا، وكأنها لم تكن يومًا أمهم التي سهرت وربّت وضحّت.
ضرباها حتى فارقت الحياة بين أيديهم… منهكة، مكسورة، بلا صوت.
ساعات مرّت، حتى لاحظ الجيران رائحة غريبة تنبعث من المنزل.
أبلغوا الشرطة، وعلى الفور تحرك المقدم محمد طارق، رئيس مباحث قسم شرطة إمبابة، ومعه قوة أمنية إلى المكان.
بالفحص، تبين أن الجثة لسيدة تظهر عليها آثار تعذيب وكدمات في مناطق متعددة.
وبالتحريات التي باشرها العقيد أحمد الحسيني، مفتش مباحث قطاع الشمال، تأكد أن مرتكبي الجريمة هما ابناها، بعد مشادة بسبب رفضها تناول الطعام.
أفاد الجيران أن الأسرة كانت تمر بظروف صعبة، وأن الخلافات كانت متكررة، لكن لم يتخيل أحد أن ينتهي الأمر بجريمة قتل.
نُقلت الجثة إلى مشرحة مستشفى إمبابة العام، وأمرت النيابة بانتداب الطب الشرعي.
وفي التحقيقات، اعترف الابن والابنة بالجريمة، زاعمين أنها حدثت “لحظة غضب… كنا بنحاول نخليها تاكل”.
قُرر حبسهما احتياطيًا 4 أيام، وتم تجديد الحبس 15 يومًا أخرى، مع إجراء معاينة تصويرية وتمثيل للجريمة تمهيدًا لإحالتهما إلى محكمة الجنايات.
وفي النهاية، من منحتهم الحياة… سلبوها حياتها.
من ضحّت لأجلهم، ماتت على أيديهم.
وما بين مرضها ودموعها، عاشت الأم موتتين… واحدة بالشلل، والأخرى بالخيانة.