أدب وثقافة

أول كتاب فلسفي من تأليف… لا أحد!

 الذكاء الاصطناعي يخدع القراء بفيلسوف وهمي

كتبت نور يوسف

في سابقة غريبة من نوعها، أثار كتاب “الهيبنوقراطية: ترامب، ماسك وهندسة الواقع” ضجة كبيرة في الأوساط الثقافية الأوروبية بعد اكتشاف أن مؤلفه المزعوم، الفيلسوف الصيني “جيانوي شون”، ليس سوى شخصية افتراضية من صنع الذكاء الاصطناعي، ابتكرها المفكر الإيطالي أندريا كولاميديشي بالتعاون مع أداتي ذكاء اصطناعي هما “تلون” و”كلود”.

 

طرح الكتاب نظرية مثيرة للجدل، مفادها أن النظام العالمي اليوم لا يعتمد على قمع الحقيقة، بل على تضخيم السرديات حتى يصبح من المستحيل التمييز بين الواقع والوهم. وأشار إلى أن شخصيات مثل دونالد ترامب وإيلون ماسك تمثل نموذجًا لهذا النظام الجديد، حيث تُستخدم المنصات الرقمية كأدوات “تنويم مغناطيسي” جماعي.

 

لكن المفارقة الأكبر كانت عندما اكتشف الصحفيون أن “جيانوي شون” غير موجود، وأن صورته وسيرته الذاتية المقتضبة كانت من توليد الذكاء الاصطناعي. الصحفية الإيطالية سابينا ميناردي كانت أول من كشف الحقيقة بعد فشلها في إجراء مقابلة مع المؤلف، ليتضح أن الاسم مجرد واجهة لمشروع فلسفي تجريبي.

 

 

أوضح كولاميديشي أن الفكرة كانت تطبيقًا عمليًا لنظرية الكتاب نفسه: فبدلًا من مجرد تحليل كيفية تشكيل السرديات، قرر “اختبار الآلية من الداخل” عبر خلق كاتب وهمي. وأضاف في حوار مع مجلة “لو غران كونتينان” الفرنسية: “لم يكن الهدف خداع القراء، بل جعل النظرية حية. الهيبنوقراطية تعني أن السلطة اليوم تتحكم في الوعي عبر تعدد الروايات، وشون كان تجسيدًا لهذه الفكرة”.

 

وأكد أن انكشاف اللعبة لا يبطل النظرية، بل يعززها، لأنها تظهر كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يشارك في إنتاج المعرفة بطريقة غير مسبوقة.

 

أثار الكتاب تساؤلات حول حدود الملكية الفكرية وأخلاقيات استخدام الذكاء الاصطناعي في التأليف، خاصةً أنه لم يُعلن في أي مكان أنه من إنتاج آلي. القانون الأوروبي للذكاء الاصطناعي (٢٠٢٤) يُجرّم عدم وسم المحتوى المُنتج بالذكاء الاصطناعي، لكنه لم يُطبّق بعد على هذه الحالة.

 

من جهة أخرى، دافع بعض المثقفين عن التجربة، مثل إيميليو كاريلي، مدير مجلة “ليسبريسو”، الذي كتب: “إذا كان الكتاب قد أثرى النقاش الفكري، فهل يهم حقًا من كتبه؟ ربما نكون أمام نموذج جديد للفلسفة التعاونية بين البشر والآلات”.

 

يشير المشروع إلى تحول جذري في مفهوم التأليف، حيث يصبح النص نتاج تفاعل بين الذكاء البشري والاصطناعي، لا فردًا واحدًا. وهذا يعيد إلى الأذهان نظرية رولان بارت عن “موت المؤلف”، لكن مع بعد جديد: فـ”المؤلف” لم يعد مجرد غياب، بل كيانًا هجينًا.

 

يرى البعض أن “الهيبنوقراطية” تمثل لحظة فارقة في فهمنا للحقيقة في عصر الذكاء الاصطناعي، حيث تتداخل الخريطة مع الأرض، وتصبح السرديات نفسها أدوات للسلطة. والسؤال الآن: هل سنشهد المزيد من “الفلاسفة الافتراضيين”؟ وكيف سيتعامل العالم مع حقبةٍ قد يصبح فيها كل كاتب ظلًا لآلة؟

script async src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-6898956440328841" crossorigin="anonymous">
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى