محمد دياب يكتب : صمت المجتمع الدولي أمام الغطرسة الإسرائيلية

في عالم متشابك تدعي فيه الدول العظمى حماية حقوق الإنسان وتطبيق القانون الدولي يصبح السؤال الملح: أين يقف المجتمع الدولي عندما تُستباح سيادة الدول الصغيرة وتُسحق أرواح الأبرياء تحت وطأة القوة العسكرية؟ في هذا السياق يبرز العدوان الإسرائيلي على لبنان كمثال ساطع على التناقضات التي يعاني منها النظام الدولي الحالي حيث تسود الانتقائية في تطبيق القوانين الدولية وتغيب العدالة في مواجهة القوة.
منذ عقود والشعب الفلسطيني يعاني تحت الاحتلال الإسرائيلي المستمر وما يحدث في غزة اليوم ليس سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الاعتداءات التي تبررها إسرائيل والمجتمع الدولي على حد سواء بحجة “حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها”. لكن هل يمكن تبرير القتل الجماعي وتشريد الأسر وتدمير البنية التحتية بهذه الحجة الواهية؟
عملية “طوفان الأقصى” التي وقعت في 7 أكتوبر العام الماضي والتي شنها فلسطينيون دفاعًا عن أرضهم أصبحت الذريعة التي تستخدمها إسرائيل لتبرير استباحتها لقطاع غزة. المجتمع الدولي الذي سارع في الوقوف إلى جانب إسرائيل تحت شعار “حقها في الدفاع عن نفسها” يغض الطرف عن الجرائم الإنسانية التي تُرتكب بحق المدنيين وكأن حياة الفلسطينيين أصبحت أقل قيمة في نظر العالم
الأمر لم يقف عند حدود غزة فقد فتحت إسرائيل هذا الأسبوع جبهة جديدة في جنوب لبنان. ما بدأ بتفجير أجهزة الاتصالات المحمولة عن بُعد، في واقعة غير مسبوقة، يمثل تحولًا نوعيًا في شكل الصراع. لم تعد العمليات تقتصر على المواجهات العسكرية التقليدية بل تحولت إلى حروب تكنولوجية واستهدافات سياسية تهدد بتغيير معادلة الحرب في المنطقة.
ومع ذلك لم يتوقف العدوان الإسرائيلي عند هذا الحد. يوميًا تشن إسرائيل هجمات على الأراضي اللبنانية مُستهدفة المدنيين والمناطق السكنية ليس فقط في الضاحية الجنوبية لبيروت ولكن في مناطق أخرى من الشمال والوسط. يسقط شهداء كل يوم وتُسفك دماء الأبرياء بينما يقف العالم متفرجًا كما لو أن ما يحدث في لبنان شأن داخلي لا يستوجب تدخل المجتمع الدولي.
عندما نتأمل في الحروب والصراعات التي لا تتماشى مع مصالح الغرب نجد ردود فعل سريعة وحاسمة. في الحرب الروسية الأوكرانية سارعت الدول الغربية إلى فرض عقوبات قاسية على روسيا ولم تتردد في تقديم الدعم لأوكرانيا على جميع المستويات. مجلس الأمن الدولي اجتمع مرارًا وتكرارًا لإدانة العمليات الروسية وتم فرض عقوبات شخصية على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. لكن عندما يتعلق الأمر بإسرائيل تختلف المعايير كليًا.
العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة يمر دون أي عقوبات أو حتى إدانات واضحة من القوى الغربية. بل يتم تبرير هذه الجرائم تحت شعارات مضللة مثل “محاربة الإرهاب” و”حق الدفاع عن النفس”. وكأن القوانين الدولية لا تنطبق على إسرائيل التي تحظى بحماية غير مشروطة من حلفائها في الغرب.
لبنان الدولة ذات السيادة وعضو كامل العضوية في الأمم المتحدة تتعرض لأبشع أشكال العدوان دون أي اعتبار لقوانين الحرب أو حقوق الإنسان. الاعتداءات اليومية على الأراضي اللبنانية تُظهر مدى استهتار إسرائيل بالقانون الدولي ومواثيق الأمم المتحدة. ولماذا لا تستهتر؟ فهي تدرك أن المجتمع الدولي الذي يدين العدوان عندما يتعارض مع مصالحه لن يتحرك ضدها طالما أن مصالحه تتماشى مع استقرار إسرائيل.
ما يحدث في لبنان وغزة ليس مجرد عمليات عسكرية بل هو استباحة كاملة لسيادة الدول وحقوق الشعوب. استمرار الصمت الدولي سيؤدي إلى تفاقم الأوضاع واندلاع حروب أوسع في المنطقة. الدول الكبرى، خاصة الولايات المتحدة والدول الأوروبية تتحمل مسؤولية أخلاقية وسياسية تجاه ما يحدث. فالعدالة لا يجب أن تكون انتقائية والمجرم لا يجب أن يُسمح له بالاستمرار في جرائمه دون عقاب.
آن الأوان للمجتمع الدولي أن يتخلى عن ازدواجية المعايير ويقف في وجه العدوان الإسرائيلي على لبنان وغزة. يجب أن تُفرض عقوبات على المعتدي كما تُفرض على أي دولة أخرى تنتهك القانون الدولي. فالعالم الذي يسمح باستباحة الأرواح والسيادة اليوم لن يكون قادرًا على الدفاع عن أي مبدأ غدًا.