رقصٌ في المول ودماءٌ في الجنوب: عن انفصام الوعي في فلسطين

كتب أحمد سالم
في لحظةٍ تُقصف فيها غزة من البرّ والبحر والجو، ويُنتشل الأطفال من تحت الركام بلا أطراف أو أسماء، وفي وقتٍ تتناثر فيه الأحلام مع أشلاء العائلات تحت نيران الاحتلال الصهيوني، تفتح مدينة رام الله أكبر مول تجاري فيها، وتُطلق الألعاب النارية وتُعزف الموسيقى كأن شيئًا لم يكن.
مشهدٌ يُشبه الجرح المفتوح، لا لأن الحياة يجب أن تتوقف، بل لأن الطريقة التي تُمارس بها هذه “الحياة” في وجه الموت الجماعي توجِع، وتفضح حجم الفجوة بين ما يحدث في غزة، وبين ما يعيشه البعض في الضفة الغربية من حالة عزلة وجدانية، أو ربما تطبيع داخلي مع واقع مشوّه.
كيف يُمكن لمدينة فلسطينية أن ترقص بينما مدينة فلسطينية أخرى تحترق؟ كيف نستوعب هذا الانفصام الأخلاقي والوطني؟ افتتاح مول بهذه الفخامة، والتعامل معه كـ”إنجاز حضاري”، في وقت تُدفن فيه غزة بأكملها تحت صمت العالم وخرسه، ليس فقط تجاهلاً، بل مشاركة في تقزيم القضية إلى مشاهد استهلاكية لا أكثر.
الصدمة ليست فقط في المول، بل في الوعي، في الغياب التام للحس الجماعي، في هذا الانقسام بين من يحترقون وبين من لا يشعرون بحرارة الحريق، فلسطين ليست رام الله وحدها، وليست غزة وحدها، وإن فقدنا هذا الارتباط العضوي بين مدننا وأهلنا، فسنكون قد خسرنا المعركة قبل أن تبدأ.
ربما لا يمكننا إيقاف الحرب، لكن يمكننا على الأقل ألّا نرقص على أنقاضها.