عرب و عالم

طوفان الأقصى وتداعياته على مستقبل الوجود الفلسطيني

بقلم الباحث الإعلامي د. الحاج إبراهيم

يُعد يوم 7 أكتوبر يومًا مفصليًا في التاريخ الفلسطيني، حيث شهد أحداثًا دموية تردد صداها في أنحاء العالم. بدا وكأن العالم قد أصيب بصدمة غير مسبوقة، حتى ظن البعض أن النهاية قد حانت، وأن المسيح المخلص في طريقه للنزول، وأن المهدي قد بويع لإقامة دولة الإسلام. وقد انعكست هذه الصدمة على مواقف الدول الكبرى، التي سارعت إلى إعلان دعمها المطلق لإسرائيل، متذرعة بحقها في الدفاع عن نفسها وحماية مواطنيها.

في المقابل، استغل الجيش الإسرائيلي هذه الفرصة إلى أبعد الحدود، مستفيدًا من العملية العسكرية التي نفذتها حركة حماس في قطاع غزة، والتي نجحت في اختراق التحصينات الأمنية الإسرائيلية، وألحقت خسائر فادحة بالقوات الإسرائيلية، حيث قُتل وأُسر العديد من الجنود والضباط، إلى جانب السيطرة على مستوطنات في غلاف غزة، وأسر مئات الإسرائيليين. شكلت هذه الضربة صفعة قوية لصورة الجيش الإسرائيلي الذي لطالما رُوّج له بأنه “لا يُقهر”، على الرغم من امتلاكه ترسانة عسكرية ضخمة تشمل أسلحة تقليدية ومتطورة، إضافة إلى أسلحة دمار شامل (نووية، كيميائية، بيولوجية)، وأحدث الطائرات الحربية والمروحية والمسيرات، وسفن حربية وغواصات تُضاهي أقوى جيوش العالم.

إشكالية قرار حركة حماس

إن اتخاذ حركة حماس لهذا القرار منفردةً كان خطوة محفوفة بالمخاطر، لعدة أسباب:

1. غياب الشرعية الوطنية الجامعة: حركة حماس تُعتبر فصيلًا سياسيًا وعسكريًا ذو توجه إسلامي، لكنها لا تمثل إجماع الكل الفلسطيني، إذ إنها تعارض السلطة الفلسطينية وتعتبر نفسها بديلًا عنها.

2. الأيديولوجيا الدينية المتشددة: تنتمي حركة حماس فكريًا إلى جماعة الإخوان المسلمين، ما يجعل رؤيتها قائمة على أيديولوجيا دينية قد لا تتوافق مع مختلف التيارات الوطنية، حيث ترفض الشراكة السياسية مع من يخالفها الرأي.

3. التبعية لمحاور إقليمية: تعتمد حماس في دعمها السياسي والمالي والعسكري على تحالفات مع أطراف خارجية مثل إيران، وقطر، وحزب الله، مما يجعل قراراتها غير مستقلة بالكامل، وقد يُعرّضها ذلك لضغوط خارجية تتعارض مع المصلحة الفلسطينية العامة.

4. غياب رؤية سياسية واضحة: تفتقر الحركة إلى استراتيجية سياسية متماسكة لإدارة الصراع والتعامل مع المتغيرات الدولية، ما يجعل قراراتها آنية وتكتيكية أكثر من كونها استراتيجية بعيدة المدى.

5. الضبابية في البرنامج السياسي: رغم أن حماس قدمت نفسها كحركة مقاومة، إلا أن برنامجها السياسي لا يزال غير واضح المعالم، حيث يشوب مواقفها الكثير من البراغماتية والتناقض في بعض الأحيان.

النتائج والتداعيات

إن الوضع الذي تعيشه غزة حاليًا هو نتيجة مباشرة لعملية طوفان الأقصى، حيث أصبحت أهداف الحرب متشابكة بين إسرائيل وحماس، ومن أبرز تداعياتها:

1. تدمير غزة وتهجير سكانها: تسعى إسرائيل إلى تدمير القطاع بالكامل، وارتكاب عمليات تهجير قسري بحق سكانه، في حرب ترتقي إلى مستوى جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي.

2. جعل القطاع غير صالح للحياة: أدى العدوان الإسرائيلي إلى انهيار شبه كامل في البنية التحتية، بما يشمل المستشفيات، والمدارس، وشبكات المياه والكهرباء، والاتصالات، ما جعل الحياة في القطاع شبه مستحيلة.

3. ملف تبادل الأسرى: أصبحت قضية الأسرى والرهائن جزءًا أساسيًا من المعركة، حيث تسعى إسرائيل لاستعادة رهائنها بأي ثمن، بينما تحاول حماس استخدامهم كورقة ضغط لإطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين من السجون الإسرائيلية.

في ظل هذه التطورات، خسرت حماس رهانها على محور المقاومة والممانعة، إذ لم ينجح هذا المحور في تقديم الدعم العسكري الحاسم، كما أدى تصعيد الأحداث إلى مخاطر أكبر على مستقبل القطاع وسكانه. باتت غزة اليوم في أزمة إنسانية عميقة، تحتاج إلى سنوات طويلة من إعادة الإعمار، فضلًا عن ضرورة توحيد الصف الوطني الفلسطيني عبر تشكيل حكومة وحدة وطنية تُحقق تطلعات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.

script async src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-6898956440328841" crossorigin="anonymous">
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى