تحليل تاريخي لبيع أراضي فلسطين قبل النكبة

إعداد الباحثة في الشؤون الفلسطينية
الإعلامية د. أحلام أبو السعود
مقدمة البحث
تُعد قضية بيع الأراضي في فلسطين قبل النكبة واحدة من أكثر القضايا التي أُثيرت حولها جدليات تاريخية وسياسية. في الوقت الذي كان الفلسطينيون فيه يخوضون مقاومة ضد المشروع الصهيوني المدعوم من الاستعمار البريطاني، لعبت عوامل متعددة دورًا في تمكين الحركة الصهيونية من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي. ومن بين هذه العوامل كان بيع الأراضي من قبل بعض العائلات اللبنانية والسورية والفلسطينية، بالإضافة إلى السياسات الاستعمارية البريطانية التي سهلت الاستيطان الصهيوني.
دور الانتداب البريطاني في تمليك الأراضي لليهود
منذ فرض الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1920، عملت بريطانيا على دعم المشروع الصهيوني، ومن بين أدواتها في ذلك تخصيص أراضي الدولة للمستوطنين اليهود. اعتمدت سلطات الانتداب على قوانين عثمانية قديمة، مثل قانون الأراضي لعام 1858، لاعتبار مساحات شاسعة من فلسطين “أراضي دولة”، ومن ثم سمحت بنقل ملكيتها للمؤسسات الصهيونية مثل الصندوق القومي اليهودي.
تخصيص الأراضي للصهاينة: قامت بريطانيا بنقل مساحات واسعة من الأراضي إلى الوكالة اليهودية، مما عزز من قدرة المستوطنين على إنشاء مستعمراتهم.
تسهيل عمليات الشراء: عملت السلطات البريطانية على توفير الحماية القانونية والمالية لعمليات شراء الأراضي من قبل الشركات الصهيونية.
بيع الأراضي من قبل وسطاء عرب
رغم أن غالبية الشعب الفلسطيني رفض بيع أراضيه للمشروع الصهيوني، إلا أن بعض العائلات الثرية في لبنان وسوريا وفلسطين نفسها قامت ببيع أراضٍ، إما نتيجة إغراءات مالية ضخمة أو بسبب غياب الشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه القضية.
أبرز العائلات التي تورطت في البيع
بحسب الوثائق التاريخية، فإن بعض العائلات البارزة التي قامت ببيع أراضٍ للصهاينة تشمل:
1. عائلات لبنانية:
آل سرسق (باعوا حوالي 400 ألف دونم)
آل سلام (165 ألف دونم)
آل تيان (308 آلاف دونم)
آل تويني (باعوا أراضي في مرج ابن عامر)
آل الخوري، آل القباني، مدام عمران وغيرهم
2. عائلات سورية:
آل اليوسف (باعوا أراضي في الجولان)
آل المارديني (صفد)
آل القوتلي، الجزائري، الشمعة، العمري
3. عائلات فلسطينية:
قلة قليلة من الفلسطينيين شاركت في البيع، لكن معظم الأراضي بيعت عبر وسطاء عرب غير فلسطينيين.
هل كانت هذه المبيعات السبب في نكبة فلسطين؟
رغم خطورة عمليات البيع التي قامت بها هذه العائلات، إلا أن هناك حقائق أخرى لا بد من وضعها في الاعتبار:
1. مساحة الأراضي المباعة لم تكن العامل الحاسم: رغم أن بعض العائلات باعت مساحات كبيرة، إلا أن اليهود حتى عام 1947 لم يكونوا يمتلكون سوى حوالي 6% فقط من أراضي فلسطين.
2. العامل الاستعماري كان الأهم: الدور البريطاني في تسليم فلسطين للصهاينة، والتطهير العرقي الذي قامت به العصابات الصهيونية، كان العامل الرئيسي في الاحتلال.
3. المقاومة الفلسطينية: على الجانب الآخر، ضحى آلاف الفلسطينيين بحياتهم وأراضيهم، وكان هناك رفض شعبي واسع لأي بيع للأراضي.
الخاتمة:
تصحيح المفاهيم
من المهم أن نفهم أن الاحتلال الإسرائيلي لم يقم فقط بناءً على شراء الأراضي، بل كان مشروعًا استعماريًا استيطانيًا اعتمد على العنف، والطرد القسري، والدعم الدولي. كما أن الحديث عن خيانة بعض العائلات يجب أن يُوضع في سياقه التاريخي، مع التأكيد على أن الشعب الفلسطيني في مجمله رفض البيع ودفع ثمنًا غاليًا في سبيل الحفاظ على أرضه.
رسالة أخيرة
بدلا من التركيز على من باع، يجب أن نركز على كيفية استعادة الحقوق، وكيفية دعم القضية الفلسطينية اليوم سياسيًا واقتصاديًا وإعلاميًا.