تحقيقات وتقارير

تحليل البيان المنسوب إلى بشار الأسد

 

 

بقلم علاء السعيد

 

إنتشر بيان ذُعم إنه لبشار  الأسد إليكم تحليل البيان والتحليل النفسي لما وراءه

تحليل البيان المنسوب إلى بشار الأسد

1. اللغة والأسلوب

أسلوب البيان يحمل طابعاً دفاعياً مبرراً للهروب، مع التركيز على إبراز “الوطنية” والتضحيات الشخصية. هذا أسلوب مألوف لدى الخطابات الرسمية لبشار الأسد، حيث يعتمد على تصوير نفسه كقائد مقاوم، غير قابل للخيانة أو التخلي عن المبادئ.

البيان مليء بمصطلحات تقليدية مثل “الإرهاب”، “الحلفاء”، “الوطن”، و”الجيش”، مما يتسق مع نهجه السياسي الذي يحاول دائمًا تبرير أفعاله على أساس الدفاع عن سيادة الدولة ضد “مؤامرات” خارجية.

2. توقيت البيان

صدور بيان بعد الهروب يعكس محاولة لتقليل الضرر السياسي والإعلامي، وتبرير غياب القيادة خلال انهيار الدولة، وهو تكتيك تستخدمه الأنظمة عند الأزمات الحادة.

الإشارة إلى الهروب بأنه تم بتنسيق مع الروس يشير إلى محاولة تسويق الهروب كجزء من “إعادة تنظيم” أو “إجراءات اضطرارية”، بدلاً من كونه استسلاماً أو فراراً.

3. الأبعاد السياسية للبيان

محاولة تبرير الهروب: الأسد يحاول تصوير مغادرته بأنها إجراء مؤقت لتأمين القيادة الوطنية ومواصلة المعركة من الخارج، وليس تخلياً عن الشعب. هذا يعكس استراتيجية للهروب من المساءلة الداخلية.

إلقاء اللوم على الظروف الميدانية: تحميل الواقع العسكري المتدهور مسؤولية الهروب، مما يضعه في موقف الضحية بدلاً من القائد المتخاذل.

استدعاء التضحية السابقة: تذكيره بالبقاء في دمشق خلال الحرب يهدف إلى تعزيز شرعيته كقائد لم يتخلَّ عن بلده في المراحل السابقة.

4. الرسائل المبطنة

للحلفاء الروس: البيان يحاول تأكيد التعاون الوثيق مع روسيا، مما يعكس الرغبة في الحفاظ على دعمهم حتى في حال غيابه عن السلطة.

للداخل السوري: رسالة تطمينية بأنه لا يزال في موقع القيادة، حتى لو من الخارج.

للإعلام العالمي: التأكيد على أنه لم يهرب “بشكل عشوائي”، وإنما في إطار “إجراءات تكتيكية”، لتجنب إحراج أكبر.

هل يمكن أن يصدر هذا البيان عن بشار الأسد؟

الاحتمالية: البيان يحمل نبرة وأسلوب مألوفين لدى بشار الأسد، خاصة في استحضار الخطاب الوطني، تكرار مفردة “الإرهاب”، ومحاولة إظهار نفسه كضحية للظروف. هذا يتماشى مع طريقته المعتادة في التعامل مع الأزمات.

الشبهة: لوحظ أن البيان يتضمن إشارات واضحة إلى الهروب الفعلي (“طلبت موسكو الإخلاء”)، وهو أمر غير معتاد بالنسبة للنظام السوري، الذي يعتمد عادةً على إنكار مباشر لمثل هذه الأحداث. قد يكون هذا التسريب متعمداً لتقليل الحرج الدولي أو مفبركاً من مصادر معارضة لتشويه صورته.

الخلاصة

من الناحية السياسية: البيان، سواء كان حقيقياً أو مفبركاً، يمثل انعكاساً لأزمة النظام السوري في التعامل مع انهيار الدولة. إذا كان حقيقياً، فهو محاولة أخيرة لتبرير موقفه أمام الشعب وحلفائه. وإذا كان مفبركاً، فهو أداة لإحراجه وإظهار ضعفه أمام العالم.

 

 

التحليل النفسي للبيان

1. الدفاع عن الذات:

البيان يعكس حالة إنكار (Denial) عميقة للواقع الذي يعيشه الأسد. فهو يحاول تقديم تفسير يُظهره كقائد مسؤول، في حين أن الفعل ذاته (الهروب) يشير إلى عكس ذلك.

استخدامه لعبارات مثل “لم أغادر الوطن بشكل مخطط له” و”بقيت أتابع مسؤولياتي” يعبر عن ميكانيزم دفاع نفسي يعرف بـ”التبرير” (Rationalization)، حيث يبرر أفعاله بطريقة تُقلل من وقعها السلبي.

2. تضخيم الذات (Grandiosity):

يظهر الأسد في البيان كشخص يحاول إعادة صياغة الواقع ليبدو وكأنه لا يزال القائد الذي يضحي لأجل شعبه، رغم انهيار الجيش وسقوط دمشق. هذا قد يعكس نزعة نرجسية (Narcissistic Traits) تُبرز أنه يرى نفسه محور الأحداث، حتى في أصعب الظروف.

تذكير الآخرين بتضحياته السابقة (“من وقف مع ضباط وجنود جيشه”، “لم يغدر بحلفائه”) يعكس حاجة ماسة للتقدير، وكأنه يطالب الشعب والحلفاء بالاعتراف ببطولته.

3. إسقاط اللوم (Projection):

الأسد يُلقي اللوم على الظروف الخارجية (تمدد الإرهاب، انسحاب الجيش، الهجوم على القاعدة الروسية)، مما يُظهر ميلاً للإسقاط، وهي آلية نفسية ينسب فيها الشخص أفعاله أو مسؤولياته إلى قوى خارجة عن إرادته لتجنب مواجهة فشله الشخصي.

4. محاولة السيطرة على السرد (Control of Narrative):

البيان يهدف إلى السيطرة على كيفية تفسير الآخرين لفراره. هذا يعكس خوفاً داخلياً من فقدان السيطرة، سواء على صورته أمام الشعب أو على ولاء الحلفاء. هذا النوع من السلوك شائع لدى الأشخاص الذين يعانون من قلق نفسي شديد عندما يواجهون تهديداً لسلطتهم.

5. الإنكار والتناقض:

وجود تناقض في البيان بين التأكيد على “عدم التخلي عن الشعب” والاعتراف بالهروب الفعلي يكشف حالة صراع داخلي. فهو يحاول في الوقت ذاته الحفاظ على صورته كقائد وفي، بينما يعترف ضمناً بأنه فشل في حماية الدولة.

6. استدعاء الماضي كدرع نفسي:

الإشارة إلى مواقفه السابقة (“لم يغادر في أصعب سنوات الحرب”، “وقف مع ضباط وجنود جيشه”) تعكس محاولة للهرب من الحاضر إلى الماضي. هذا يشير إلى النكوص (Regression)، وهو نوع من التكيف النفسي حيث يعود الفرد إلى ذكريات مريحة عند مواجهة ضغوط حالية.

7. القلق الوجودي:

نبرة البيان تحمل أصداء القلق الوجودي (Existential Anxiety) المرتبط بفقدان السلطة والمكانة. الأسد يحاول التمسك بأي شرعية متبقية لضمان بقائه كجزء من المشهد السياسي أو كمركز اهتمام، حتى لو كان ذلك من الخارج.

8. استخدام “الأصدقاء الروس” كحماية نفسية:

الإشارة المتكررة إلى التنسيق مع الروس تعكس اعتماداً نفسياً واضحاً على حليف خارجي، وهو أمر يشير إلى فقدان الشعور بالاستقلالية والسيطرة. هذا يمكن تفسيره بأنه وسيلة لطمأنة نفسه وشعبه بأنه لا يزال مدعوماً، رغم هشاشة موقفه.

الخلاصة النفسية:

البيان يعبر عن شخصية تعاني من الإنكار والتبرير كوسائل دفاعية للتعامل مع أزمة كبيرة تهدد هويتها ومكانتها.

هناك نزعة نرجسية واضحة، مع حاجة مستمرة لتأكيد البطولة والتضحية.

يظهر قلق عميق من فقدان السيطرة والخوف من الحكم الشعبي والتاريخي عليه.

محاولاته المتكررة لتبرير الهروب وربطه بخطوات استراتيجية تعكس رغبة في تخفيف شعور الذنب، إن وجد، أو على الأقل تهدئة الرأي العام.

البيان في مجمله ليس مجرد محاولة سياسية، بل يُظهر الكثير من نقاط الضعف النفسية التي تعبر عن حالة رجل يواجه انهياراً داخلياً يتوازى مع انهيار خارجي للدولة التي كان يسيطر عليها.

 

script async src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-6898956440328841" crossorigin="anonymous">
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى