عقود من المجازر: ذاكرة فلسطين تكتب تاريخ الدماء والآلام

كتبت نور يوسف
تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي يعود إلى أوائل القرن العشرين، مع تنامي الحركة الصهيونية التي سعت لإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، التي كانت تحت الحكم العثماني آنذاك. شهدت الفترة بين عامي ١٩١٧ و١٩٤٨ أحداثًا حاسمة، مثل وعد بلفور الذي صدر في عام ١٩١٧، حيث تعهدت الحكومة البريطانية بإقامة “وطن قومي للشعب اليهودي” في فلسطين.
مع تزايد الهجرة اليهودية إلى فلسطين، تصاعدت التوترات بين العرب الفلسطينيين واليهود، مما أدى إلى أعمال عنف وصدامات متكررة. في عام ١٩٤٧، اقترحت الأمم المتحدة خطة لتقسيم فلسطين إلى دولتين، لكن العرب رفضوا هذه الخطة، مما أدى إلى اندلاع الحرب في عام ١٩٤٢، التي أدت إلى تهجير مئات الآلاف من الفلسطينيين، وما زالت آثارها مستمرة حتى اليوم.
و إن قائمة جرائم الاحتلال الإسرائيلي طويلة جدا فقد تتخطى ٢٥٠ مجزرة منذ عام ١٩٣٧ حتى اليوم ، ومن أبرز هذه الجرائم التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين قبل طوفان الأقصى.
في عام ١٩٣٧، نفذت القوات الصهيونية عمليات دموية في مناطق مختلفة من فلسطين، مستهدفة القرى والمواطنين الفلسطينيين في إطار دعم الحركة الصهيونية ومحاولة تهجير السكان الأصليين. وقد تم قمع أي محاولات للثورة أو المقاومة من السكان المحليين بقسوة شديدة.
مجزرة دير ياسين (١٩٤٨): بداية التطهير العرقي
في ٩ أبريل ١٩٤٨، هاجمت العصابات الصهيونية قرية دير ياسين قرب القدس، في واحدة من أبشع المجازر التي أسفرت عن مقتل حوالي ٢٥٠ فلسطينيًا بينهم أطفال ونساء. كان لهذه المجزرة دور رئيسي في تهجير آلاف الفلسطينيين من بيوتهم.
وفي نفس العام كان هناك مجزرتي قرية أبو شوشة التي أسفرت عن ٥٠ شهيدا ضربت رؤوس العديد منهم بآلات حادة ، و مذبحة الطنطورة التي خلفت ٩٠ شهيدا دفنوا في مقبرة جماعية.
مجزرة قبية (١٩٥٣): قتل بلا هوادة
في أكتوبر ١٩٥٣، اقتحمت القوات الإسرائيلية قرية قبية في الضفة الغربية، وقتلت ٦٧ مدنيًا فلسطينيًا. هذه المجزرة كانت جزءًا من سلسلة عمليات انتقامية، حيث دُمرت عشرات المنازل على رؤوس ساكنيها.
مجزرة كفر قاسم (١٩٥٦): حظر تجول مميت
في ٢٩ أكتوبر ١٩٥٦، وقعت واحدة من أبشع المجازر في قرية كفر قاسم، حيث قامت القوات الإسرائيلية بإطلاق النار على الفلسطينيين الذين عادوا إلى منازلهم غير مدركين بأن حظر التجول قد تم فرضه، ما أسفر عن مقتل ٥٧ شخصًا بينهم أطفال.
وقبل ١٩ يوما من نفس الشهر كان الاحتلال ارتكب مذبحة قلقيلية والتي راح ضحيتها أكثر من ٧٠ شهيدا .
وبعد مجزرة كفر قاسم بأربعة أيام فقط كان الكيان الغاصب في مخيم خان يونس يرتكب مجزرة ضد اللاجئين راح ضحيتها أكثر من ٢٥٠ فلسطينيا ، و في نفس المخيم وفي ١٢/١١ لنفس العام نفذت وحدة من الجيش مجزرة وحشية أخرى راح ضحيتها نحو ٢٧٥ شهيدا من المدنيين.
مجزرة صبرا وشاتيلا (١٩٨٢): تحالف الدم والاحتلال
خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام ١٩٨٢، وقعت مجزرة صبرا وشاتيلا التي نفذتها ميليشيات لبنانية متحالفة مع إسرائيل، تحت أنظار القوات الإسرائيلية. تم قتل حوالي ٣٥٠٠ فلسطيني ولبناني في هذه المجزرة المروعة التي استهدفت المدنيين.
وفي تلك الأثناء ظهرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) ظهرت رسميًا في ديسمبر ١٩٨٧ مع بداية الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي. تأسست الحركة على يد مجموعة من القادة الفلسطينيين، أبرزهم الشيخ أحمد ياسين. الهدف الأساسي من تأسيس حماس كان مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وتحرير فلسطين من النهر إلى البحر.
ومنذ تأسيسها، تبنت حماس استراتيجية مزدوجة تجمع بين المقاومة المسلحة (من خلال جناحها العسكري “كتائب عز الدين القسام”) والعمل الاجتماعي والسياسي داخل الأراضي الفلسطينية.
مجزرة الأقصى الأولى (١٩٩٠): استهداف المقدسات
في ٨ أكتوبر ١٩٩٠، استهدفت القوات الإسرائيلية المرابطين في المسجد الأقصى بعد اندلاع مواجهات مع المستوطنين الذين حاولوا اقتحام الأقصى. أسفرت الأحداث عن استشهاد ٢١ فلسطينيًا وإصابة المئات ، بالإضافة إلى اعتقال ٢٧٠ شخصا، في واحدة من أكثر المجازر إيلامًا ضد المصلين.
مجزرة الحرم الإبراهيمي (١٩٩٤): دماء في بيت المقدس
في ٢٥ فبراير ١٩٩٤، هاجم المستوطن الإسرائيلي باروخ غولدشتاين المصلين الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل أثناء أدائهم صلاة الفجر، ما أسفر عن شهيد ٥٠ مصليًا وجرح أكثر من ٣٠٠ مصلي.
مجزرة جنين (٢٠٠٢): حروب الإبادة في الضفة
في أبريل ٢٠٠٢، شنت القوات الإسرائيلية هجومًا واسعًا على مخيم جنين للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية. على مدى أيام، قامت الدبابات والجرافات الإسرائيلية بتدمير المنازل وقتل المدنيين. أسفرت العملية عن استشهاد حوالي ٦٠ فلسطينيًا وجرح أكثر من ٢٤٣ وتدمير المخيم بشكل شبه كامل.
مجزرة بيت حانون (٢٠٠٦)
في ٨ نوفمبر ٢٠٠٦، قصف الجيش الإسرائيلي بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، ما أسفر عن مقتل ١٩ مدنيًا فلسطينيًا، معظمهم من النساء والأطفال. هذا الهجوم جاء بعد حملة عسكرية استمرت لأكثر من أسبوع، استهدفت فيها إسرائيل البنية التحتية للبلدة بدعوى وقف إطلاق الصواريخ الفلسطينية.
مجزرة الحرب على غزة (٢٠٠٨-٢٠٠٩)
خلال عملية “الرصاص المصبوب” التي بدأت في ٢٧ ديسمبر ٢٠٠٨ واستمرت حتى ١٨ يناير ٢٠٠٩، قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من ١٤٠٠ فلسطيني، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء. الهجوم استهدف مناطق مأهولة في غزة بحجة الرد على إطلاق الصواريخ من القطاع. دُمرت أجزاء كبيرة من البنية التحتية للقطاع، بما في ذلك المنازل والمستشفيات والمدارس.
مجزرة الحرب على غزة (٢٠١٢)
في ١٤ نوفمبر ٢٠١٢، شنت إسرائيل عملية “عمود السحاب” على قطاع غزة. استمرت الحملة العسكرية لمدة ثمانية أيام وأسفرت عن مقتل أكثر من ١٦٠ فلسطينيًا، معظمهم من المدنيين، إضافة إلى تدمير البنية التحتية.
مجزرة الحرب على غزة( ٢٠١)
في ٨ يوليو ٢٠١٤، أطلقت إسرائيل عملية “الجرف الصامد” التي استمرت لواحد وخمسين يومًا. أسفرت عن مقتل أكثر من ٢٢٠٠ فلسطيني، من بينهم ٥٥٠ طفلًا، وجرح الآلاف. خلال هذه الحرب، تم استهداف المنازل والمستشفيات والمدارس، بما في ذلك منشآت الأمم المتحدة.
مجزرة مسيرات العودة (٢٠١٨)
بدأت مسيرات العودة الكبرى في مارس ٢٠١٨، حيث طالب الفلسطينيون بحق العودة إلى أراضيهم المحتلة. استخدم الجيش الإسرائيلي القوة المميتة ضد المتظاهرين العزل، ما أسفر عن مقتل أكثر من ٢١٠ فلسطينيين وإصابة الآلاف خلال الأشهر الأولى فقط من الاحتجاجات.
مجزرة الحرب على غزة (٢٠٢١)
في مايو ٢٠٢١، شنت إسرائيل حملة عسكرية جديدة على قطاع غزة استمرت ١١ يومًا وأسفرت عن مقتل أكثر من ٢٦٠ فلسطينيًا، من بينهم أكثر من ٦٥ طفلًا. الهجمات تسببت في دمار واسع في القطاع وأدت إلى تشريد آلاف العائلات.
هذه المجازر تعد جزءًا من سلسلة طويلة من الانتهاكات التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني، والتي تستمر حتى اليوم دون محاسبة دولية فعالة.
وفي أعقاب عملية “طوفان الأقصى” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣، قامت إسرائيل بسلسلة من العمليات العسكرية الوحشية التي استهدفت قطاع غزة. أدت هذه العمليات إلى وقوع عشرات الآلاف من الشهداء والمصابين، وتدمير بنية تحتية بالكامل، وارتكاب مجازر فظيعة بحق المدنيين، أغلبهم من الأطفال والنساء. فيما يلي أبرز عشر مجازر ارتكبتها إسرائيل في غزة خلال هذه الفترة:
مجزرة مستشفى المعمداني – أكتوبر ٢٠٢٣
في قصف إسرائيلي استهدف مستشفى المعمداني في غزة، استشهد أكثر من ٥٠٠ شخص، معظمهم من المرضى والأطباء. كانت هذه المجزرة من أبشع ما شهده القطاع، إذ اعتبرت استهدافًا مباشرًا للبنية الصحية والمدنيين.
مجزرة حي الزيتون – نوفمبر ٢٠٢٣
استهدفت الطائرات الإسرائيلية حي الزيتون، ما أسفر عن تدمير كامل لأحياء سكنية، وسقوط ٤٢٠ شهيدًا، بينهم عدد كبير من الأطفال والنساء. هذا الهجوم أدى إلى نزوح واسع لسكان المنطقة.
مجزرة جباليا – ديسمبر ٢٠٢٣
في قصف مكثف على مخيم جباليا للاجئين، تم تدمير مئات المنازل وسقوط ٧٠٠ شهيد، حيث كانت منطقة جباليا تعتبر واحدة من أكثر المناطق كثافة سكانية.
مجزرة الشجاعية – يناير ٢٠٢٤
استهدفت الغارات الإسرائيلية أحياء سكنية في الشجاعية، ما أدى إلى مقتل ٣٨٥ فلسطينيًا، من بينهم أطفال كانوا يلعبون في الساحات. شهدت هذه المجزرة دمارًا شاملًا في البنية التحتية للمنطقة.
مجزرة رفح – فبراير ٢٠٢٤
في هجوم متواصل على مدينة رفح جنوب قطاع غزة، استشهد أكثر من ٢٩٠ مدنيًا نتيجة القصف المكثف الذي استهدف المنازل والمساجد والمدارس.
مجزرة النصيرات – مارس ٢٠٢٤
قصفت الطائرات الإسرائيلية مخيم النصيرات، مما أدى إلى مقتل ٤٢٠ شخصًا وإصابة مئات آخرين. هذا الهجوم كان واحدًا من أضخم الغارات الجوية التي استهدفت المخيمات المكتظة بالسكان.
مجزرة خان يونس – أبريل ٢٠٢٤
في تصعيد كبير للهجمات، قصف الاحتلال مدينة خان يونس وأسفر عن استشهاد ٣٧٠ فلسطينيًا. الهجوم تسبب في دمار هائل وتضرر واسع للبنية التحتية.
مجزرة بيت لاهيا – مايو ٢٠٢٤
استهدفت الغارات الإسرائيلية منطقة بيت لاهيا، مما أدى إلى استشهاد ٢٣٥ شخصًا، وتدمير عدد من المدارس والمساجد. أثارت هذه المجزرة غضبًا واسعًا بسبب استهدافها للمدنيين.
مجزرة السوق المركزي في غزة – يونيو ٢٠٢٤
قصفت إسرائيل السوق المركزي في غزة خلال ساعات الذروة، ما أدى إلى استشهاد ٤٠٠ مدني كانوا يتسوقون، وأُصيب مئات آخرون بجروح خطيرة.
مجزرة بيت حانون – يوليو ٢٠٢٤
استهدفت الطائرات الحربية الإسرائيلية منطقة بيت حانون في شمال قطاع غزة، ما أدى إلى مقتل ٣٠٠ شخص، بينهم أسر كاملة. كانت هذه المجزرة واحدة من أكبر الهجمات التي تعرض لها شمال غزة.
هذه الجرائم والمجازر التي ارتكبتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة تؤكد على استمرار الاحتلال في استهداف المدنيين والبنية التحتية بشكل ممنهج. المجتمع الدولي لم يتخذ حتى الآن موقفًا حازمًا لوقف هذه المجازر، بينما تستمر المعاناة في القطاع.