أخبار فلسطين

غزة بين العتمة والجوع…  حينما يصبح النهارُ ليلًا

بقلم : سفيرة الإعلام العربي والباحثة في الشؤون الفلسطينية 

د. أحلام أبو السعود

في غزة، لم يعد الليل يفارق النهار. فمنذ السابع من أكتوبر، تغرق المدينة في ظلامٍ دامس، ليس لأن الشمس غابت، ولكن لأن الكهرباء انقطعت، وتلك الألواح الشمسية التي كانت بصيص أملٍ أصبحت عاجزة عن إنارة العتمة، بعدما أنهكها الحصار، وأفرغها التقنين القاسي من قدرتها على تخزين الضوء. بطاريات الطاقة التي كانت تعين الناس على النجاة انتهى عمرها الافتراضي، ومع كل يوم يمر، تتآكل قدرتها على الصمود، كما تتآكل أرواح من تبقّى في المدينة الصامدة.

عتمةٌ بلا نهاية…

في غزة، الليل ليس له بداية أو نهاية، فلا مصابيح تضيء الدروب، ولا بيوت تتلألأ بأنوارها. هواءٌ مشحونٌ بالكرب، وأصوات قصفٍ لا تكاد تهدأ، وبيوتٌ بلا دفء، بلا صوتِ أجهزة كهربائية تُبقي الحياة نابضة. لا ثلاجات تحفظ الطعام، ولا سخانات تقي الأجساد من برد الليالي الطويلة، ولا حتى لمبة صغيرة تخفف وحشة الظلام عن طفلٍ مذعورٍ يختبئ في حضن أمه من هدير الطائرات.

حينما يصبح الضوء جريمة!

وفي مشهدٍ يفضح وحشية الاحتلال، لم يكتفِ الإسرائيليون بإغراق غزة في الظلام، بل امتدت نواياهم العدوانية إلى ما هو أبعد. عندما شوهدت بعض الأضواء الخافتة المنبعثة من ألواح الطاقة الشمسية وسط الدمار، وقف المتطرف إيتمار بن غفير في اجتماعات الكنيست الإسرائيلي صارخًا: “اقطعوا عنهم الشمس!” وكأن الضوء بات جريمة، وكأن مجرد بصيص أمل في ليل غزة الطويل يزعج صُنّاع الموت في تل أبيب.

جوعٌ… وعجزٌ… ومعاناةٌ تتراكم

الحصار حوّل المائدة الغزية إلى موائد الفقراء الحالمين بلقمة، فأصبحت وجبات اليوم تتمحور حول ما يمكن العثور عليه في الأسواق الفارغة. الطحين عملة نادرة، والبندورة لمن يجدها تُباع بوزن الذهب، أما السكر والزيت ومواد التنظيف، فرفاهيةٌ لم تعد في متناول أحد. والنتيجة؟ معدةٌ خاوية، وأطفالٌ يتضورون جوعًا، وعائلاتٌ تتقاسم لقيماتٍ قليلة وكأنها وليمةُ الأعياد.

الماء… شريان الحياة المقطوع

ليس انقطاع الكهرباء وحده هو المشكلة، فالماء أيضًا بات حلماً بعيد المنال. المياه النظيفة شحيحة، والآبار التي تعمل بالكهرباء توقفت عن ضخ الحياة، وما تبقى من ماءٍ يحمل معه أمراضًا لا تُحصى، وسط غياب الدواء وشلل القطاع الصحي المنهك.

حين يصبح البرد قاتلًا…

في ليالي غزة القارسة، لا مدافئ، ولا بطانيات كافية، ولا أبواب ترد الرياح عن الخيام المنصوبة وسط الركام. أطفالٌ يرتجفون، وأجسادٌ أنهكها البرد والجوع والخوف، ولا شيء يردّ عنهم قسوة الحياة سوى الأمل… الأمل الذي بات سلعةً نادرة في زمن الحرب.

إلى متى؟

إلى متى سيظل أطفال غزة يحلمون بضوء مصباح؟ متى يتوقفون عن التساؤل كل ليلة: “متى تعود الكهرباء؟ متى نشرب ماءً نظيفًا؟ متى ننام دون خوف؟”. أسئلةٌ بلا إجابات، في مدينةٍ تئن تحت وطأة الدمار، بينما العالم يكتفي بالمراقبة من بعيد، وكأن معاناة غزة مجرد قصةٍ تُروى في الأخبار، لا جرحٌ نازفٌ في قلب الإنسانية.

script async src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-6898956440328841" crossorigin="anonymous">
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى