أدب وثقافة

وصيّة الراحلين من أرض الكرامة

شعر حرّ بقلم سفيرة الإعلام العربي

 د. أحلام أبو السعود

إنْ نحنُ ارتقينا…

لا تُشيّعونا بالبكاءِ،

ولا تذروا على قبورنا وردًا من ذاكرةٍ كاذبة.

اطووا فلسطينَ من كتبِكم،

وامحوا اسمَها من سجلاتِ الأمل.

قولوا لأبنائكم:

“كانَ هنا شعبٌ يُقاومُ العدم،

ثم ذابَ في الفراغ،

حين خانَه الجميع”.

عيِدوا أعراسَكم…

تزيّنوا كما شئتم،

غنّوا، ارقصوا، صافحوا الوقتَ بأصابعٍ لا ترتعش،

تذوّقوا نبيذَ الحياة دونَ مرارةِ موتِنا.

لكنْ…

إيّاكم أن تقفوا أمامَ المرآة!

فستُبصرون دماءنا على وجوهكم،

وأشلاءنا في عيونكم،

وصرخاتِنا تسكنُ زوايا أفواهكم،

دخانُنا سينقشُ خارطةَ فلسطين على جِباهِكم.

وإذا ما غبنا…

مزّقوا كتبَ التاريخ،

لا تُحدّثوا صغارَكم عن شعبٍ

حملَ السلاحَ بالكلمة،

وزرعَ الحياةَ في رمادِ الأيام،

ثم قتلتْه خناجرُ الصمتِ في ظهورِ الأحبّة.

وإذا ما غبنا…

أحرِقوا كتبَ الجغرافيا،

ولا تذكُروا جيرانًا أحبّوكم حتى نسَوا أنفسهم،

جيرانًا ماتوا وهم يظنّون أن الحُبّ يُنقذ،

أنّ الدموعَ قد تهدمُ جدارًا أو تحرّرُ أسيرًا.

لا تقولوا إنكم كنتم منشغلين بعظمةٍ زائفة:

بأكبرِ طبقٍ من التبّولة،

وأضخمِ قدرٍ من المقلوبة،

وأشهى منسفٍ يُروى على موائدِ الزيف،

بينما كنّا نُذبحُ على أبوابِ الغياب،

ونُدفنُ بصمتٍ تحتَ ركاماتِ الضمير.

احتفلوا كما تحبّون…

فلن تبثَّ شاشاتُكم صورَنا،

ولن يسألكم أطفالُكم عن وجعِنا،

فقد ماتَ السؤالُ في أوطانِ الخرس.

وحين تجلسونَ إلى العشاء…

تذوّقوا “كاتشابَ دمنا”،

وانثروا فلفلَ القهرِ على موائدِكم،

اشربوا عصيرَ دموعِنا…

فأنتم الذين عجنتموه من صمتِكم ومواسمِ الرقص.

لكنْ، تذكّروا…

نحنُ لا نموتُ عبثًا،

ولعناتُنا تسيرُ بينكم،

ستطرقُ أبوابَكم…

واحدًا…

واحدًا…

وداعًا… دونَ انتظار.

عاشقة فلسطين 

د. أحلام أبو السعود

script async src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-6898956440328841" crossorigin="anonymous">
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى