منوعات
أخر الأخبار

البيت المسكون في السيدة زينب – شقة رقم 9

 

كتبت / رنيم علاء نور الدين 

كانت الشقة هادئة أكثر مما يجب. تقع في الطابق الثالث من عمارة قديمة عمرها يتجاوز السبعين عامًا، في أحد الأزقة الضيقة المتفرعة من شارع قدرى بحي السيدة زينب. الشقة مكونة من غرفتين وصالة صغيرة، بأرضية خشبية تئن تحت كل خطوة. فاطمة، طالبة في كلية الآداب، كانت تسكن مع والدتها بعد وفاة والدها بسنوات.

في البداية، لم يكن هناك ما يثير القلق. أصوات بسيطة: خشخشة في المطبخ، نقر خفيف على باب الغرفة، أشياء تُنقل من مكانها. “أكيد نسيت أنا حطيت الحاجة فين”، هكذا كانت تبرر. لكنها لم تكن تعرف أن بداية “النسيان” هو أول خيط في لعبة مرعبة.

في الليلة الرابعة من الأسبوع الأول في شقتها الجديدة، الساعة كانت الثانية وسبع دقائق فجرًا. كانت فاطمة جالسة على مكتبها، تذاكر مادة “علم النفس الجنائي”، والهدوء يخنق الأجواء. فجأة، سقطت إحدى الكتب من على الرف خلفها دون أن يلمسه أحد. قلبها انقبض، لكنها نهضت وأعادته في مكانه. دقائق معدودة وبدأت تسمع صوت كأن أحدهم يكتب على الحائط بقلم طباشير. نظرت إلى الجدار… لا شيء.

في الليلة التالية، استيقظت والدتها على صوت شهقة مكتومة. ركضت إلى غرفة فاطمة، ووجدتها جالسة على طرف السرير، عيناها متسعتان بشكل مرعب، ووجهها شاحب. “في واحدة قاعدة على الكرسي، قاعدة تبصلي وما بتتحركش”. نظرت الأم إلى الكرسي ولم تجد شيئًا، لكنها أحست ببرودة غريبة في الغرفة.

الأسبوع الثاني كان بداية الكابوس الحقيقي. كل ليلة في نفس التوقيت: 2:07 صباحًا، ينفتح باب الغرفة وحده، يليه صوت خطوات شخص يمشي ببطء على الخشب القديم. الأضواء تومض، وساعة الحائط تتوقف. في إحدى الليالي، استيقظت فاطمة لتجد اسمها مكتوبًا على الحائط باللون الأحمر… لم يكن دمًا، لكنه سائل غريب ذو رائحة كريهة.

استعانوا بشيخ من أحد المساجد القريبة. دخل الشقة، وما إن بدأ يقرأ حتى اهتزت اللمبة المعلقة في السقف، وبدأت أصوات تأتي من داخل الجدران: بكاء، ضحك نسائي، خبط متكرر. بعد ساعة من التلاوة، قال الشيخ إن هناك جنية تسكن المكان، وأنها متعلقة بفاطمة تحديدًا. كانت تسكن الشقة من قبل، قبل أن تُهجر لسنوات طويلة، بسبب حادثة قديمة لم يعرف تفاصيلها أحد.

طلب الشيخ تشغيل سورة البقرة يوميًا، والوضوء قبل النوم، وعدم ترك المرايا مكشوفة. استمر الوضع على هذا النحو لأسابيع. بدأت فاطمة ترى الكوابيس، وكلها عن نفس السيدة التي لا يظهر من وجهها سوى عينين سوداوتين كأنهما حفرتان.

وفي أحد الأيام، عادت فاطمة من الجامعة لتجد مرآة الحمام مكتوب عليها بخار: “رجعت… مستنياكي”.

في اليوم التالي انتقلت فاطمة ووالدتها من الشقة إلى منطقة الهرم، ومن يومها لم تعاني من أي شيء. لكن الشقة رقم 9… مازالت مغلقة، وما زال الجيران يسمعون أصواتًا منها ليلًا.

script async src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-6898956440328841" crossorigin="anonymous">
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى