
حوار أحمد سالم
في زمن يركض فيه الكل وراء التريند والموسيقى سريعة الاستهلاك، تطل علينا بعض الأصوات لتكون بمثابة واحات هدوء وفن أصيل، تأخذنا إلى عالم آخر لا يعترف بالسرعة، بل بالعمق والرسالة.
ولاء الجندي، اسمٌ يتردد في أذن المستمع العربي وكأنه صدى لأصوات الزمن الجميل، لكنه يحمل في طياته روحاً معاصرة تتحدى السائد، بصوتها الفخم وحضورها الآسر، استطاعت أن تُجبر الجميع على التوقف عند محطتها الفنية الفريدة التي اختارت فيها أن تكون سفيرة للغة الضاد وأصالة الكلمة.
في هذا الحوار، نغوص مع ولاء الجندي في كواليس رحلتها الفنية، وقناعاتها الراسخة، ونظرتها الصريحة للفن بين الماضي والحاضر، وكيف ترى دور الفنان في قضايا الأمة الكبرى.
صوتكِ ليس مجرد حنجرة، بل هو آلة موسيقية بحد ذاتها، كيف تحافظين على هذا الصوت، وما هي طقوسكِ قبل كل أداء؟ هل تعتبرين أن “الصوت” وحده يكفي، أم أن “الصورة” باتت ضرورية اليوم؟
الصوت هو نعمة من الله، والحفاظ عليه واجب ومسؤولية، الطقوس بالنسبة لي بسيطة، هي مزيج من الراحة والتحضير النفسي، أبتعد عن الأطعمة والمشروبات التي قد تؤثر عليه، وأقوم بتمارين صوتية خفيفة قبل أي أداء، أما عن سؤالكِ حول الصوت والصورة، فالصوت هو الأساس وهو الرسالة، لكن في عصرنا هذا لا يمكننا أن ننكر أن الصورة أصبحت ضرورية جداً، لكن يجب أن تكون الصورة خادمة للصوت والرسالة، وليست بديلاً عنها، لا يمكن أن تكون مجرد إبهار فارغ.
الأغاني العربية التي تغنيها هل هي اختيار فني بحت، أم رسالة منكِ للحفاظ على هويتنا اللغوية في عصر تراجع فيه الاهتمام بالفصحى؟ وهل تشعرين أن الجمهور الشاب يتفاعل معها بنفس قدر تفاعله مع العامية؟
هي مزيج من الأمرين، في النهاية، الفن هو رسالة، اختياري للفصحى لم يكن صدفة، هو قناعة بأن لغتنا هي هويتنا وكنزنا الذي يجب أن نحافظ عليه، أرى أن الأغنية الفصحى لديها قدرة أكبر على أن تكون عابرة للزمن والحدود الجغرافية. والجمهور الشاب يتفاعل معها بشكل مدهش، ربما ليس بنفس الانتشار السريع للعامية، لكن التفاعل يكون أعمق وأكثر تأثيرًا، عندما يسمع الشباب أغنية فصحى بأسلوب عصري، يكتشفون جمال لغتهم من جديد.
ولاء، في زمن يركض فيه الكل وراء “التريند” والموسيقى سريعة الاستهلاك، أنتِ تختارين الفصحى والأصالة، هل هذه قناعة راسخة أم “تحدي” لموجة سائدة؟
أراها قناعة راسخة أولاً وأخيراً، الفن بالنسبة لي ليس سباقاً، بل هو رحلة طويلة وشخصية، التحدي يأتي من أن أحاول أن أثبت للناس أن الأصالة يمكن أن تكون عصرية وجذابة ومؤثرة. لكن في القلب، هذا هو فني وهذه هي ولاء. لا أستطيع أن أقدم شيئاً لا يشبهني.
عندما تستمعين لأصوات مثل أم كلثوم، فيروز، أو وردة، ماذا يتبادر إلى ذهنكِ أولاً؟ وهل ترين أن العصر الحالي قادر على إنجاب عمالقة بهذا الحجم من التأثير؟
يتبادر إلى ذهني أولاً عظمة الأداء وصدق الكلمة والموسيقى. هذه الأصوات كانت تحمل رسائل حقيقية وتأثيراً اجتماعيًا، أما عن إنجاب عمالقة، فالعصر الحالي لديه كل الإمكانيات، لكن ما ينقصه هو الصبر، وعمق المحتوى، العمالقة لا يُصنعون بين ليلة وضحاها، بل هم نتاج رحلة طويلة من الصدق والتضحية والعمل الدؤوب، وهذا ما يجب أن يتعلمه الجيل الجديد.
ما هو الفرق الجوهري بين فن جيل الرواد والفن الذي يقدم اليوم من وجهة نظركِ؟ وهل تعتقدين أن “السرعة” و”الانتشار السهل” أثرت سلباً على عمق المحتوى الفني؟
الفرق الجوهري هو أن فن الرواد كان صناعة متكاملة، من الكلمة إلى اللحن إلى التوزيع إلى الأداء. كان يأخذ وقته لينضج، أما فن اليوم، فهو أسرع في الانتشار، لكنه في كثير من الأحيان يفتقر إلى هذا العمق، نعم، “السرعة” أثرت سلباً، فهي تجعل الفنان يبحث عن النتيجة الفورية بدلًا من العمل على رسالة فنية خالدة.
هل ترين أن منصات مثل تيك توك ويوتيوب هي نعمة للفنانين أم نقمة؟ وهل شعرتِ يوماً أن عليكِ “مجاراة” هذه المنصات بتقديم محتوى لا يشبه ولاء الجندي؟
هي سلاح ذو حدين، نعمة لأنها تمنح الفنان مساحة أكبر للتواصل مع جمهوره، وتكسر احتكار شركات الإنتاج الكبرى، لكنها قد تكون نقمة إذا أجبرت الفنان على تقديم محتوى لا يشبهه من أجل “التريند”، شخصياً، لم أشعر يوماً أن عليّ أن أقدم شيئاً لا يشبهني، أنا أحاول أن أجد طريقة لأستخدم هذه المنصات لخدمة فني، وليس العكس.
ما هو أكبر تحدٍ واجهكِ في مسيرتك الفنية حتى الآن، وكيف تغلبتِ عليه؟
أكبر تحدٍ كان وما زال هو إقناع الجمهور والمنتجين بأن الأغنية الأصيلة والفصحى يمكن أن تحقق النجاح وتستقطب الجماهير، التغلب عليه كان بالإيمان، إيماني بأن الفن الحقيقي يفرض نفسه في النهاية، وإيماني بجمهوري الذي يتوق للأصالة.
ما هي نصيحتكِ الفنية، بعيداً عن نصائح الحياة، للمواهب الشابة التي تحلم بالشهرة؟ وهل هناك صوت شاب لفت انتباهكِ مؤخراً وتتوقعين له مستقبلاً كبيراً؟
نصيحتي لا تلهث وراء الشهرة، بل ابحث عن الصدق في صوتك وفنك، الشهرة هي نتيجة طبيعية للعمل الجاد، لكنها ليست هدفاً في حد ذاتها، ابدأوا بالعمل على إيجاد هويتكم الفنية الخاصة، وقدموا فناً يشبهكم، هناك أصوات شابة مبشرة، لكن لن أذكر أسماء حتى لا أظلم غيرهم، وأتمنى لهم جميعاً كل التوفيق.
لو كان بإمكانكِ أن ترسلي رسالة صوتية لكل مستمع عربي، ماذا ستقولين له؟ وما هي رسالتكِ للجيل القادم من الفنانين؟
سأقول لهم شكراً لكل لحظة استمعتم فيها لصوتي، شكراً لأنكم تقدّرون الأصالة وتحتضنونها، أنتم الأمل الذي يجعلنا نستمر، وللجيل القادم من الفنانين “كونوا صادقين مع أنفسكم وفنكم، الفن رسالة وأمانة، فحافظوا عليها.”
لو طلب منكِ أن تغني أغنية “تريند” حالية بأسلوبكِ الخاص، فما هي الأغنية التي ستختارينها وكيف ستؤدينها؟
ربما سأختار أغنية لها معنى أو قصة، حتى لو كانت كلماتها بسيطة. سأحاول أن أضيف عليها لمسة فنية من ناحية اللحن والتوزيع، وأستخدم صوتي ليعطيها عمقاً أكبر، لا أبحث عن أغنية تريند، بل عن أغنية يمكن تحويلها لعمل فني جميل.
ما هو الحلم الفني الذي لم يتحقق بعد لولاء الجندي وتتمنين تحقيقه قريباً؟
حلمي هو أن أقدم عملاً فنياً كاملاً، من كتابة الكلمات إلى التلحين والتوزيع، يكون بمثابة رحلة موسيقية متكاملة للمستمع، وأن أغني على مسارح عالمية كبيرة لأوصل الفن العربي الأصيل إلى كل العالم.
بصوتكِ الذي يحمل الكثير من الأصالة والعمق، ما هو الدور الذي ترينه للفن، تحديداً الأغنية الفصحى أو الملتزمة في دعم القضية الفلسطينية في ظل الظروف الراهنة؟ وهل تشعرين أن الفن اليوم قادر على إحداث نفس التأثير الذي كان يملكه في عقود سابقة؟
الفن هو سلاحنا الأقوى، هو ذاكرة الشعوب، الأغنية الملتزمة والفصحى لها دور كبير في توثيق القضية، وتخليدها في ذاكرة الأجيال، هي ليست مجرد أغنية، بل هي توثيق لمعاناة شعب وصموده، نعم، الفن اليوم قادر على إحداث نفس التأثير، وربما أكثر بفضل وسائل التواصل، المهم هو أن يكون صادقاً ونابعاً من القلب، وأن يكون الفن هو صوت الحق.
إذا كان بإمكان صوتكِ أن يصل إلى كل بيت فلسطيني اليوم، فما هي الرسالة التي ستوجهينها لهم؟
“صمودكم هو أغنيتنا، مقاومة لا تنحني، وأمل لا يموت، لن تنحني الزيتونة، ولن يموت الياسمين، فلسطين هي بوصلة القلب، ونحن معكم دائماً، بالحب والدعاء، وبالفن الذي يحمل قضيتكم في كل مكان.