الــعُــروبــة الــمــســلــوبــة

بـقـلـم: د. أحـلام مـحـمـد أبـو الـسـعـود
تـوشَّـحـتِ الـعـروبـةُ بـالـسَّـوادِ
وشـحَّ الـمـجـدُ يـا زمـن الحدادِ
أشُـحُ الـنـفـس مـن مـنـعـتْ رِحـاهـم
أم الأغــــلال … يــــا راح الأيـــــادِ
أتــرويــحٍ إذا ذُقــنــا الــمــنــايــا
أم الــتــرويــع مـن صَــنــعَ الأعـــادي
فــلاطــابــت ســرائــرُهـــم بــنــومٍ
وعـيـنُ الـقُـدس ثـكـلـى بـالـسُـهــادِ
أمِـــنْ أقــدارِنـا ذُقــنــا الــمــنــايــا؟
أم الإذعـــان يــارب الــــعــــبــــادِ؟
رضـيــنــا والـرِضـى يــارب حـتـمٌ
فــوحــيُ الـروح طــوعــاً لـلــفــؤادِ
أويــنــا فـي خـــيـــامٍ كـالـــحـــاتِ
صَـحّـونـا فـي ضُـحَــاً كـلـح الـسـوادِ
يـلــوح الــمــجــد لـلأبــطــال شــوقــاً
وروحُ الــنــصــر فــي راح الــزنــادِ
فــمــا وهــنــوا عـن الـثـكـنـات يـــوماً
وســــرج الــنــصــر مُــقـتـرنٌ جــــوادِ
فـلـسطـيـنُ الـجـريـحـة كـمْ تُـنـادي
ومـن أقـصـى الــمــديـنـة كـم مُـنـادِ؟
وبَـلــفــور السليط نــذيــر حزن
يَـصـبُ الــزيـت فـي شــررِ الــرمــادِ
وفـي الـسـودانِ نـارٌ قـدْ تـسـامَـتْ
تُـجـوبُ الأرضَ مــن غــيــر ارتـــدادِ
نِــســاهُــم تــســتــغــيــثُ ولا مُـجـيـبٌ
ودمــعُ الــقــهــرِ يُـسـكـبُ كـالـــمـــدادِ
وفـي الــجــولانِ كــم نــزفــت جـــراحٍ
فــمــا لـلـغُـصــنِ ذنــبٌ بــالـحـصـادِ
دمــشــقُ الـخـيـر أنـهـكـهـا قــتــالٌ
لـتـلـتـحـفَ الــســواد مــن الـــســوادِ
ولـبـنـان الــعُــروبـــة فــي تــحــدٍ
تــســيــحُ دمــاؤهــم فــي كــل وادِ
تــبــخــرت الـعُـروبـة فـي ريـــاحٍ
ويــوم الــعــصــف ذاريــةٌ رمـــادِ
وصــوتُ الـنـارِ مُــخــتــرقٌ ســمــانــا
كــأنَّ الــكَــونَ يــوقــدهــا الــســهـــادِ
وفـي لـيـبـيـا عـريـنُ الـمـجـدِ أضـحـى
حـــطـــامًــا بـيـنَ أنـيـابٍِ حِـــدادِ
سَـقَـتْـهُ الـحَـربُ مـن وهـج الـمـآسـي
وفـي الآحــااااد تــجــعــلــهُ انــفــرادِ
وفـي الـيـمـنِ الـسـعـيـد دمـوعُ ثـكـلـى
وحــزنٌ يـسـتـتـبُ بــلا انـــتـــقـــادِ
تــمــزَّقَــت الـعُـروبـة فـي صــراعٍ
نــواحُ الـــطـــيـــر فــي الآفــاق شــادي
فـيـومـي تـسـغـيـثُ بـبـعـض أمـسٍ
وأمـسـي تـسـتـجـيـرُ بـــأُم عــــادِ
يُـزفُ الـعُـرب مـن وحـل الـمـطـايـا
وأقـــصـــانـــا يُــزفُ بـــلا جـــيـــادِ
نُـنـادي مـن يـعـيـشُ بِــلا حــــيــــاةٍ
فـهـل يـصـغـى الــجــمــادُ إلـى مُـنـادِ
أجــيــبــي ســؤلــنــا يــا أُم عَــمـــرٍ
ونــوبــي عَــنــهُــمُ فــي كــل وااااادِ
وقــولــيــهــا جــهــاراً إن تــغــابـــوا
فـــمـــن ســرق الــمــودةً مــن ودادِ
كـأن الـقـوم يـا ( أحــلامُ ) ثــكــلــى
وذاك الـصَّـمـتُ مُـقـتـرنُ الـجـهـادِ
فــلا تــأســي عـلـى قــمــمٍ تـلاشـت
رقــيــقُ الــعــصــرِ كــم شــاكــتْ كــســادِ
لــمــن أجــد الــعــزاء لــمــن أُصــلــي
وروحُ الـقُـدس أولــى بــالــجــهــادِ
ومــن أُبــكــي وأثـــريـــهِ بــشــعــري
وصــمــتُ الــعُــرب مُـلـتـزم الـحــيــادِ
وأيـــمــا الأرض أســقــيــهــا دمــائــي
وأيُ الــــقــــومِ… آثـــرهـــم بــــزادِ
فــمــن يــشـــري دُمــى الأعـــراب مـنـي
بــديــنــارِيـــنِ … لا أرجــــو مــــــزادِ
أيــادي الــعُــربِ تــعــبــثُ فـي ربـــوعٍ
تُــراهــنُ بـالـخـرابِ عـلـى الــبــلادِ
صُــراخُ الأرضِ يـصـدحُ فـي الـحـنـايـا
وكـلُ الـعُـرب غـرقـا فـي الــرُقــادِ ؟
فـيـا شـامـي الـحـبـيـبـة كـمْ بـكـيـنـا
عــلــى جُــرحٍ يــنــوحُ بِــلا ضِــمــادِ
سـحـابُ الـظّـلـمِ قــد حـجـبـت سـمـانـا
فـمـن بِـالـجُـرءِ يـنـتـقـدُ الـقـيـادي
فـمـا نـقـدي سـوى جـزعـاً لـصـبـري
فـلـسـتُ الـنِـدّ إن قُـلـتُ انـتـقـادِ
فـمـا الإرهـابُ فـي شِـعـري ونـثـري
أغُــلَ الــفــاهُ مـن غِــلِ الأيـــادي
فـلـسـطـيـنُ الـجـريـحـةُ كـم تُـعـانـي
بــلا أســـفٍ تـطـيـبُ لـهـا مُــرادي
وفـي الـقـدس الـعـريــقـة ألـف جُـرحٍ
تــئــنُ لــهــا الــمــآذن مـن سُــهـــادِ
دمـاءُ الـطـفـلِ تُـسـقـي الأرضَ طُـهـراِ
ويُـزهـرُ مـن طـلائـعـهـم فـــؤادي
فـــكـــم دارٍ تُـــهـــدُّ بـسـاكـنـيـهـا
ودور الــعُــرب نــاطــحــةُ الـعـمـادِ
وأنـتـم صـامـتـونَ بـلا حــــيــاءٍ
فــواااا أســفــاه يــاســلــعــة كــســادِ
كـأن الـكـهـف أغـرقـهـم سُـبــاتـاً؟
إذا مـاالـقـوم كــانــوا فــي الــعِـــدادِ؟
فـأرجـو الـلـه يـغـفـر لـي خـطـاتـي
فـكـلـبُ الـكـهـف أطـهـرُ مـن عــبــادِ
ومـالـلـعُـرب فـي صـلـفـي اقـتـرانٌ
بـأهـل الـكـهـف إن صـح انــتــقــادِ
فـإنَّ الـقـدس تـسـألُـنـا بِــحُــزنٍ
مـتـى الـتـحـريـرُ يـا أهـلَ الـجِـهـادِ؟
أحــلام أبــو الــســعــود
غــزة/ فــلــســطــيــن
نقد وتحليل قصيدة “العروبة المسلوبة” – من معلقات العصر الحديث
للشاعرة د.أحلام أبو السعود
تُعدُّ قصيدة “العروبة المسلوبة” للشاعرة د. أحلام محمد أبو السعود واحدة من أبرز المعلقات الشعرية في العصر الحديث، بل إن الكثير من النقاد الأدبيين وصفوها بأنها تجسد معاناة الأمة العربية في زمننا الحاضر. فمن خلال مزيجٍ فني من البلاغة الشعرية والرمزية العميقة، تنقل الشاعرة مشاعر الحزن والأسى على الواقع العربي الممزق، كما تطرح دعوة صريحة للنهوض واستعادة العزة والكرامة. وتُعتبر هذه القصيدة من الأعمال الأدبية التي تُعبّر عن قضايا الأمة العربية بمزيد من الصدق والجرأة، وتُسجّل واقعًا مليئًا بالتحديات والمآسي، حيث تكشف عن جروح الأمة العربية المفتوحة نتيجة الحروب والدمار. وفي هذا النقد، سيتم دمج وصف القصيدة كواحدة من معلقات العصر الحديث مع تحليل أبرز عناصرها الفنية من حيث الصور البلاغية، الأسلوب الشعري، الرمزية، والتوظيف الفني.
1. التوظيف البلاغي في القصيدة
تستخدم الشاعرة البلاغة الشعرية بشكلٍ مكثف، معتمدة على الاستعارة والتشبيه لخلق صور شعرية تعكس الأبعاد النفسية والوجدانية للمجتمعات العربية في مواجهة معاناتها. وفي العنوان نفسه “العروبة المسلوبة”، تقدم الشاعرة الرمزية العميقة التي تُشير إلى أن العروبة قد تعرضت للخذلان والضعف، لتصبح مسلوبة من هويتها ومجدها. هذا العنوان وحده هو بمثابة مقدمة بلاغية تُمهِّد لقارئ القصيدة لفهم الحالة النفسية للعروبة المسلوبة من كرامتها ومكانتها.
الاستعارة: في قولها “توشحت العروبة بالسواد”، يتسرب إلى ذهن المتلقي صورة قاتمة عن العروبة، حيث يصبح السواد رمزًا للحزن والفقدان. هذه الصورة تتكرر وتُبنى بشكلٍ متتابع لتصور مختلف جوانب المأساة العربية التي يعيشها المواطن العربي في هذه المرحلة.
التشبيه: من الأمثلة الواضحة في استخدام التشبيه، نجد قولها “فما وهَنوا عن الثكنات يومًا”، حيث تصوِّر العزيمة العربية كحصنٍ صامد أمام الانكسار. هذا التشبيه يعكس الأمل في استمرار المقاومة على الرغم من الهزائم المتتالية، ويمنح القصيدة زخماً خاصًا من القوة والصمود.
2. الأسلوب الشعري
الشاعرة تجمع بين الأسلوب الخطابي الذي يندد بالواقع العربي المؤلم، وبين الأسلوب التأملي الذي يتأمل في الفجوات التي أحدثتها الحروب والصراعات في العالم العربي.
الإيقاع والتكرار: يزداد الإيقاع دراماتيكية من خلال التكرار المتعمد لبعض العبارات مثل “فلسطين الجريحة كم تنادي” و”في القدس العريقة ألف جرح”، مما يضفي على النص موسيقى خاصة ويعزز من تأثيره العاطفي. التكرار هنا لا يعكس مجرد إيقاع شعري، بل هو أداة تذكير مستمرة بعذابات الأمة التي لا تنتهي.
الوزن والقافية: حافظت الشاعرة على تناغم الوزن والقافية، معتمدة على بحر الطويل في معظم الأبيات، مما يضفي على القصيدة رصانة وجلالة. وبالرغم من القافية الموحدة، فإن الشاعرة استطاعت تجنب الركاكة أو التكرار الممل، عبر تنوع الصور والمعاني التي تقدمها، مما يمنح النص زخماً ديناميكيًا.
3. الرمزية والدلالة السياسية
تستدعي القصيدة العديد من الرموز السياسية التي تمثل محطات مفصلية في تاريخ الأمة العربية. فلسطين، القدس، ولبلفور، هذه الأماكن والرموز السياسية لا تمثل مجرد جغرافيا، بل هي حكايات حية من الوجع العربي الممتد عبر التاريخ.
فلسطين والقدس: تُعتبر فلسطين العنصر الرئيسي في القصيدة، حيث تُصور كرمز للدمار والتشريد. صورة القدس تتكرر كمحور رئيسي للتذكير بالاحتلال والظلم المستمر الذي طال المدينة المقدسة، بينما يأتي ذكر الطفل كرمز للبراءة التي تم تدميرها في ظل الحروب والصراعات.
الحروب الداخلية: تتضح رمزية الحروب الداخلية التي تنخر جسد الأمة، من خلال الحديث عن السودان، سوريا، لبنان، وغيرها من الأماكن التي تمثل خريطة الخراب العربي الذي طال مدنه وأراضيه بسبب الاحتلالات والاقتتال الداخلي. هذه الصور تبرز العمق الجغرافي والتاريخي للمعاناة.
4. نقد اجتماعي وثقافي
عند قراءة القصيدة، لا يمكن تجاهل النقد الثقافي والاجتماعي الذي تقدمه الشاعرة. فهي لا تكتفي بإدانة العدوان الخارجي، بل توجّه انتقادات لاذعة لما يُمكن وصفه بالخمول العربي في مواجهة هذه المآسي. في قولها “فمن يشتري دمى الأعـراب مني”، تسلط الضوء على عجز الأمة العربية عن مواجهة التحديات بمفردها، بل أصبحت في موضع المتاجرة بالقضايا الكبرى، وهو نقد قاسي لحالة الضعف والتخاذل التي أصابت الكثير من الدول العربية في عصرنا الحالي.
5. الختام والتأثير العاطف
تختتم الشاعرة قصيدتها بأسئلة وجودية محورية، مثل “متى التحرير يا أهل الجهاد؟”، التي تثير حالة من التأمل العميق في ضمير الأمة العربية. الأسئلة لا تقتصر فقط على التمني، بل هي دعوة للتفكير في حقيقة ما آلت إليه أوضاع العرب، ومدى قدرتهم على التحرر والتغيير.
الخلاصة
بناءً على ما تقدم، تعتبر “العروبة المسلوبة” قصيدةً من الطراز الرفيع، تمزج بين الألم والبلاغة، وبين النقد العميق للأوضاع العربية والأمل في النهوض. الشاعرة أحلام أبو السعود قدَّمت من خلالها جرحًا عربيًا مفتوحًا، وكان صوتها عاصفًا في تسليط الضوء على معاناة الأمة بأسرها. بفضل براعتها الشعرية في استخدام الرمزية، الاستعارة، والبلاغة، نجحت في تقديم قصيدة تجسد الصراع العربي المعاصر، وتُسجل مشهدًا أدبيًا يعكس التاريخ والجغرافيا والمستقبل العربي.
إن هذه القصيدة تمثل في مجملها دعوة للمراجعة والاتحاد، وصرخة في وجه الزمن العاصف، وبحث عن إجابة لأسئلة الوجود العربي في هذا العصر الذي يعاني فيه من الفتن والمحن. وهي تُعتبر بحق واحدة من معلقات العصر الحديث التي تتسم بالصدق الأدبي والقوة البلاغية، وتُعبر عن أمل الأمة في النهوض من جديد.