مصير اللاجئين الفلسطينيين بعد حظر الأونروا: بين أزمة الخدمات وآفاق التجديد الوطني

بقلم/سفيرة الإعلام العربي والباحثة في الشؤون الفلسطينية
المستشارة د. أحلام أبو السعود
في ظل تصاعد الضغوط السياسية والقانونية التي أدت إلى حظر عمل الأونروا في الأراضي الفلسطينية، يتعرض مصير ملايين اللاجئين الفلسطينيين لمحنة غير مسبوقة. في هذا المقال نستعرض التحديات الراهنة وآفاق التحول والتجديد الوطني التي من شأنها أن تضمن حقوق اللاجئين، مع التركيز على الحلول البديلة وإمكانية تجاوز الأزمة الإنسانية.
تحديات المرحلة الجديدة
على مدى عقود، شكلت الأونروا العمود الفقري لتقديم الخدمات الأساسية — من التعليم والرعاية الصحية إلى الدعم الغذائي واللوجستي — لما يقارب ستة ملايين لاجئ. إلا أن قرار الحظر المفروض من قبل بعض الجهات الاستيطانية والتحالفات السياسية يُحدث فجوة كبيرة في شبكة الأمان الاجتماعي والإنساني:
تدهور الخدمات الأساسية:
مع انسحاب الدعم الدولي وقطع القنوات التي كانت تُمكن الأونروا من العمل، يُصبح اللاجئون أكثر عرضة للتهميش والفقر والجوع.
تهديد الهوية وحق العودة: يترافق الحظر مع محاولة تقويض القضية الفلسطينية من خلال تحويل اللاجئين إلى مجرد متلقين للمساعدات الإنسانية دون الاعتراف بحقوقهم التاريخية والقانونية.
آفاق التحول والتغيير
في مواجهة هذا الواقع، برزت عدة أفكار جديدة لاستشراف مستقبل بديل يحفظ كرامة اللاجئين الفلسطينيين:
1. إنشاء شبكة وطنية وإنسانية بديلة:
تفعيل المنظمات المحلية: يمكن للحركات المدنية الفلسطينية ومنظمات المجتمع المدني أن تتكاتف لتأسيس هيكل عمل بديل يعيد توزيع الخدمات الأساسية، بدعم من الخبراء المحليين والدوليين.
الشراكات الإقليمية: التعاون مع دول الجوار والمؤسسات العربية لتأسيس شبكة إغاثية تتجاوز التقسيمات السياسية، بحيث يُضمن تقديم التعليم والرعاية الصحية في إطار إقليمي موحد.
2. استراتيجية التمويل المستدام:
دمج ميزانيات الدعم في الخطط الوطنية: يجب الضغط على المجتمع الدولي لإدماج دعم اللاجئين ضمن الميزانيات السنوية للوكالات الإنسانية، بحيث يصبح الدعم مؤسسيًا بعيدًا عن التأرجح السياسي.
تشجيع التبرعات والمبادرات الخاصة:
إطلاق حملات تمويل جماعي عالمية تُبرز القضية الفلسطينية وتجمع الموارد لتأسيس مشاريع تنموية مستقلة تضمن استمرارية الخدمات.
3. استخدام التكنولوجيا والابتكار:
التحول الرقمي للخدمات: يمكن تطوير منصات إلكترونية لتقديم الخدمات التعليمية والصحية عن بُعد، مما يساعد في تخطي الحواجز اللوجستية والتقنية المفروضة بعد الحظر.
الشراكة مع الشركات الناشئة:
تشجيع المشروعات التقنية لتطوير حلول مبتكرة في مجالات الصحة عن بُعد والتعليم الإلكتروني، مما يخلق فرص عمل ويسهم في بناء قدرات مجتمعية.
4. العمل الدبلوماسي والضغط الدولي:
تعزيز الحملات الدبلوماسية: يتعين على الجهات الفلسطينية والدول الداعمة تكثيف جهود الضغط على الهيئات الدولية لإدانة الحظر وإعادة الاعتراف بدور الأونروا التاريخي في حماية حقوق اللاجئين.
التوثيق والحوار القانوني:
جمع الأدلة والشهادات عن تأثير الحظر على حياة اللاجئين وتقديمها للمحاكم الدولية والمنظمات الحقوقية لتسليط الضوء على المخالفات القانونية والسياسية.
رؤية مستقبلية للمصير الفلسطيني
إن الطريق نحو تجاوز أزمة اللاجئين يتطلب مزيجًا من العمل الداخلي المتماسك والضغط الدولي الدؤوب. وفي ظل غياب الأونروا كجهة رئيسية، يتعين على الشعب الفلسطيني أن:
يعيد بناء ثقته في قدراته الذاتية: بتفعيل المبادرات المحلية وشبكات التضامن داخل المجتمع الفلسطيني لتوفير الحلول الفورية والمستدامة.
يستثمر في رأس المال البشري:
عبر برامج تدريبية ومبادرات تعليمية تسهم في تجهيز جيل قادر على قيادة التغيير والمشاركة بفعالية في إعادة بناء البنية الاجتماعية.
يحول الأزمة إلى فرصة للتغيير:
عبر استغلال التجارب السابقة لتأسيس نموذج جديد للتنمية الإنسانية يعكس تطلعات اللاجئين ويعزز من حقوقهم التاريخية والقانونية.
إن حظر الأونروا يمثل تحديًا جسيمًا ولكنه أيضًا فرصة لإعادة النظر في نماذج الدعم الإنساني والسياسي للاجئين الفلسطينيين. بتضافر الجهود المحلية والدولية وتفعيل الاستراتيجيات البديلة، يمكن تحويل الأزمة إلى نقطة انطلاق نحو مستقبل يتم فيه تأمين حقوق اللاجئين وتحقيق العدالة التاريخية والإنسانية. المستقبل يعتمد على القدرة على الابتكار والتضامن والصمود في وجه الضغوط، مع الإصرار على أن تظل قضية اللاجئين الفلسطينية في صميم الحوار الدولي، وأن يكون لها صدى يعيد للأجيال القادمة كرامتها وهويتها.
بهذا الإطار الجديد، يُفتح الأفق أمام خطوات جريئة نحو تجديد دور اللاجئين الفلسطينيين وتأكيد حقوقهم رغم التحديات المتزايدة، مما يعكس صمود الشعب الفلسطيني وإصراره على النهوض بقضيته إلى مصاف القضايا الدولية.