شريفة فاضل أم البطل .. صوت الفن الذي خلّد انتصار أكتوبر
كتبت/ فاطمة محمد
في ذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة، لم يكن دور الجنود المصريين أو القيادة السياسية فقط من عوامل تحرير الوطن من الأزمة التي كان يمر بها، بل كان للفن المصري نصيب كبير في تعزيز مشاعر الانتصار لدى الشعب
فقد استغل الفنانون آنذاك قدراتهم الكبيرة في التأثير على وجدان المصريين، وقدموا أغنيات وطنية خالدة، ما زالت تتردد في الأذهان حتى يومنا هذا، محملة بنشوة الانتصار ولذته.
لقد نجح هؤلاء الفنانون في انتقاء كلمات وألحان صادقة تعبر عن عمق المشاعر الوطنية، بحيث تمكّنت تلك الأعمال من الوصول إلى قلوب المصريين وجعلتهم يعيشون أجواء الانتصار وكأنها حاضرة أمامهم، مهما مرت السنوات
وتأتي هذه الأعمال الفنية شاهدًا على مدى تأثير الفن في توجيه الشعور العام وتحفيز الروح الوطنية، من خلال كلمات وألحان ترتبط بالوجدان الشعبي وتترك أثراً لا يُمحى، حتى وإن مرت مئات السنين، بفضل صدقها وإلهامها العميق.
أبرزهم و صاحبة القصة المؤثرة شريفة فاضل أم البطل
شريفة فاضل كانت تُعرف بصوتها العذب الذي يمزج بين القوة والإحساس، وقدرتها الفائقة على التعبير عن المشاعر بصدق وعفوية
كان صوتها يتميز بعمق وجمال استثنائي، مما جعلها واحدة من أبرز الأصوات النسائية في العالم العربي، كانت قادرة على أداء مختلف الألوان الغنائية، من الأغاني الوطنية إلى الرومانسية، حيث لامس صوتها القلوب وترك بصمة خالدة في عالم الفن.
لكن حياتها الفنية توقفت مؤقتًا بعد صدمة لا تُنسى؛ حيث استشهد ابنها الطيار البطل، سيد السيد بدير، خلال حرب الاستنزاف وهو في عمر العشرين، بعد أن أنهى تدريباته في الطيران بروسيا
كانت هذه الخسارة المأساوية أكبر صدمة في حياتها، وأثرت بشكل كبير على نفسيتها، مما جعلها تتوقف عن الغناء لفترة طويلة.
في مقابلة لها قبل وفاتها، تحدثت عن استشهاد ابنها وكيف كانت تلك اللحظة مؤلمة، قائلة: “استشهد ابني خلال حرب الاستنزاف قبل انتصارات أكتوبر، وكان عمره 20 سنة
كان ابني البكر، أول فرحتي، وتوقفت عن الغناء بعد هذه الصدمة.”
ورغم الحزن العميق، عادت شريفة فاضل إلى الغناء مع انتصار أكتوبر وعن هذه العودة قالت: “عندما انتصرنا في أكتوبر، طلبت من صديقتي الشاعرة نبيلة قنديل أن تكتب أغنية عن أم البطل، لتكون تكريمًا لكل الأمهات اللاتي فقدن أبناءهن في الحروب
جلست نبيلة في غرفة ابني الشهيد لمدة نصف ساعة، وعادت بعدها بكلمات أغنية أم البطل
وعندما سمعتها لأول مرة، لم أتمالك نفسي وبكيت حتى أُغمى عليّ.”
تابعت شريفة: “كانت الأغنية صعبة جدًا عليّ، فقد كنت أغمى عليّ أكثر من مرة أثناء تسجيلها
حتى أن الفنانة فايزة أحمد نصحتني بألا أواصل غنائها إن لم أكن قادرة، لكنني أصريت على تسجيلها في يوم واحد كنت أختتم بها كل حفلاتي لأنها كانت تترك أثرًا كبيرًا عليّ، لدرجة أنني أصبت بنزيف في الشرايين أثناء إحدى الحفلات بسبب تأثري بها، ورغم أن الأطباء نصحوني بالتوقف عن غنائها، إلا أنني لم أستطع اتباع نصيحتهم.”
فـ مَن هي شريفة فاضل أم البطل؟
شريفة فاضل حفيدة المقرئ الشهير أحمد ندا، واسمها الحقيقي فوقية محمود أحمد ندا
لدت في 15 سبتمبر 1938، ونشأت في كنف والدتها بعد انفصال والديها، حيث تزوجت والدتها من إبراهيم الفلكي، أحد أثرياء مصر، الذي سُمّي باسمه ميدان الفلكي المعروف.
عاشت شريفة مع والدتها وزوجها في عوامة على النيل، وكانت تستقبل العائلة كبار الشخصيات، ومن بينهم الملك فاروق الذي استمع إلى صوتها وهي طفلة
بدأت شريفة مشوارها الفني عندما سمعها رجل الأعمال السيد ياسين، صاحب مصنع الزجاج الشهير، واقترح على والدتها دخولها مجال الفن، فشاركت في فيلم “الأب” وهي طفلة، حيث غنت ومثلت.
شجعها زوج والدتها على مواصلة طريقها الفني، وألحقها بمعهد التمثيل والإذاعة قبل أن تبلغ 13 عامًا، اختار لها الشاعر صالح جودت اسمها الفني، وعرّفها على كبار الفنانين والشعراء.
في منتصف الخمسينيات، تزوجت من المخرج والممثل السيد بدير، وأنجبت منه ولدين، سيد وسامي ، حققت نجاحات كبيرة، لكن زواجهما انتهى بسبب غيرته الشديدة.
الأزمة والانحصار الفني الذي مرت بهم شريفة فاضل
رغم المسيرة الفنية الطويلة لشريفة فاضل، إلا أن امتلاكها لواحد من أشهر الملاهي الليلية في شارع الهرم كان من العوامل التي قللت من ظهورها الإعلامي
في جيل شريفة، لم تكن الملاهي الليلية تحمل المعنى السلبي الذي قد نعرفه اليوم. ففي الأفلام القديمة، كان يُتحدث عن الذهاب إلى “الأوبرج” لقضاء سهرة أو دعوة على العشاء، وكانت ملاهي مثل ملهى بديعة مصابني معروفة بروادها من كبار الشخصيات.
كانت قد تأثرت بشخصية منيرة المهدية، التي قدمتها في فيلم “سلطانة الطرب”، وهو لقب التصق بها بعد الفيلم، رغم أن منيرة كانت أول من حصل عليه وكانت تملك ملهى ليلي شهير، “نزهة النفوس”، الذي كان ملتقى للفنانين والسياسيين.
الرحيل المؤلم للفنانة شريفة فاضل
رحلت الفنانة شريفة فاضل عن عالمنا بعد مسيرة فنية حافلة، حيث وافتها المنية في هدوء عن عمر ناهز 85 عامًا. عُرفت شريفة بصوتها المميز وأغانيها الوطنية التي تركت بصمة في وجدان المصريين
ورغم شهرتها الكبيرة، عاشت سنواتها الأخيرة بعيدًا عن الأضواء والإعلام، حيث توفيت في ظروف هادئة، دون ضجة إعلامية تُذكر، مما جعل رحيلها أقل بروزًا مقارنة بمكانتها الفنية الكبيرة.