كتبت سفيرة الإعلام العربي والباحثة في الشؤون الفلسطينية

د. أحلام محمد أبو السعود
التهجير الجماعي في غزة: مخطط صهيوأمريكي لإعادة تشكيل الجغرافيا السكانية ونهب ثروات القطاع
منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، تتكشف يوماً بعد يوم أبعاد المخطط الصهيوأمريكي الذي لا يهدف فقط إلى القضاء على المقاومة، بل يتعدى ذلك إلى إعادة تشكيل خريطة القطاع ديموغرافياً وسياسياً. لم يعد الأمر مجرد عمليات عسكرية، بل بات مخططاً استراتيجياً لتفريغ غزة من سكانها أو حصرهم في مناطق معزولة تفتقر إلى مقومات الصمود، تمهيداً لما يُسمى “الهجرة الطوعية”.
رفح.. الملاذ الأخير أم سجن جماعي؟ تشير التسريبات الإعلامية العبرية والغربية إلى أن رفح ليست مجرد ملجأ للنازحين، بل هي المرحلة الأخيرة من خطة طويلة الأمد تستهدف تحويلها إلى منطقة عزل محكمة. إذ تعمل إسرائيل على تنفيذ خطة تشمل:
1. اجتياح بري واسع: تسعى إسرائيل لتنفيذ أكبر عملية اجتياح منذ بداية العدوان، ليس فقط لضرب المقاومة، بل لإحداث “هزة سكانية” كبرى تدفع السكان نحو الجنوب.
2. إجبار السكان على التكدّس: يتم دفع مئات الآلاف من المدنيين إلى رفح والمناطق الحدودية، مما يؤدي إلى ازدحام خانق يزيد من سوء الأوضاع الإنسانية.
3. إنشاء “مناطق إنسانية” معزولة: يتم إنشاء مخيمات أشبه بالسجون، تحت رقابة مشددة ومنع تام للعودة إلى المدن الأصلية.
4. التحكم بالسكان عبر المساعدات: يتم فرض معادلة جديدة، حيث تصبح المساعدات الإنسانية مشروطة بالالتزام بالمخططات الإسرائيلية للنزوح.
5. فرض خيار الهجرة الطوعية: بعد إنهاك السكان وتدمير بيئتهم الحياتية، يُطرح خيار الخروج النهائي من القطاع كطوق نجاة، في تكرار لسيناريو النكبة عام 1948.
الأطماع الاقتصادية في قطاع غزة إلى جانب البعد الديموغرافي والسياسي للمخطط، هناك بعد اقتصادي مهم يتمثل في السيطرة على الثروات الطبيعية لغزة، وأهمها احتياطات الغاز الطبيعي قبالة سواحل القطاع. منذ سنوات، تسعى إسرائيل إلى فرض سيطرتها على هذه الموارد الغنية، والتي يمكن أن تحول غزة إلى مركز اقتصادي مستقل، مما يتعارض مع المخطط الإسرائيلي القائم على إبقاء الفلسطينيين في حالة تبعية اقتصادية.
تم الكشف عن مخططات إسرائيلية لنهب احتياطات الغاز الموجودة في حقل غزة مارين وغيره من الحقول البحرية.
الشركات الإسرائيلية تعمل بتنسيق مع أطراف دولية لتأمين استغلال هذه الموارد دون إشراك الفلسطينيين.
العدوان المستمر يعزز الهيمنة الإسرائيلية على المنطقة البحرية ويمنع أي تطوير فلسطيني لهذه الموارد.
تصريحات ترامب ونواياه تجاه غزة منذ فترة رئاسة دونالد ترامب، ظهرت عدة إشارات واضحة إلى نية الإدارة الأمريكية التعامل مع غزة كسلعة قابلة “للشراء” أو “التحويل إلى مشروع استثماري” يخدم المصالح الإسرائيلية والأمريكية.
ترامب صرّح أكثر من مرة برغبته في امتلاك غزة أو حتى شرائها كحل لمشكلة اللاجئين.
الإدارة الأمريكية حاولت فرض مشاريع “السلام الاقتصادي” التي تستهدف توطين سكان غزة في مناطق أخرى.
صفقة القرن تضمنت مخططات لمشاريع استثمارية في غزة بتمويل خليجي، مقابل تنازلات سياسية جوهرية لصالح إسرائيل.
الأبعاد السياسية والاستراتيجية للمخطط إن ما يجري في غزة ليس مجرد حملة عسكرية، بل هو تنفيذ دقيق لمخطط صهيوني-أمريكي يستهدف
إعادة تشكيل الخريطة السكانية: تهدف إسرائيل إلى تقليل عدد السكان الفلسطينيين في غزة وإحداث تغيير ديموغرافي يمنع أي مقاومة مستقبلية.
فرض أمر واقع جديد: بعد تحويل رفح إلى “منطقة إنسانية”، سيتم فرض حل سياسي يجعل من غزة كياناً منزوع السيادة تحت الهيمنة الإسرائيلية.
تطبيق خطة “صفقة القرن”: تسعى إسرائيل إلى إعادة إحياء المخططات التي فشلت سابقاً، عبر دفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية وخلق واقع جديد يتماشى مع المشاريع الإقليمية الإسرائيلية.
الدور الأمريكي في تنفيذ المخطط الولايات المتحدة ليست مجرد داعم لإسرائيل في هذا العدوان، بل هي شريك أساسي في التخطيط والتنفيذ. فواشنطن تغطي الجرائم الإسرائيلية سياسياً، وتمنحها الغطاء الدبلوماسي في الأمم المتحدة، وتضغط على بعض الدول العربية لقبول خيار توطين اللاجئين الفلسطينيين في الخارج. كما أن سياسة “الإغاثة المشروطة” التي تتبعها واشنطن تهدف إلى استنزاف الفلسطينيين وإضعاف قدرتهم على مقاومة التهجير.
السيناريوهات المحتملة أمام هذا الواقع، هناك عدة سيناريوهات يجب أخذها بعين الاعتبار:
1. تصعيد المقاومة: يمكن أن تؤدي التحركات الميدانية للمقاومة إلى عرقلة المخطط، خاصة إذا استمر الصمود الشعبي.
2. ضغوط دولية متزايدة: قد تدفع المجازر المستمرة إلى تحركات دولية أقوى، خاصة مع تزايد الضغوط الشعبية في الغرب.
3. فرض تهجير تدريجي: في حال استمرار التواطؤ الدولي، قد تسعى إسرائيل إلى تنفيذ التهجير بشكل متدرج لتجنب ردود فعل كبيرة.
الخاتمة:
إن المخطط الجاري في غزة ليس مجرد حرب، بل هو محاولة لإعادة إنتاج النكبة بأساليب جديدة. لذا، فإن المقاومة بجميع أشكالها السياسية، والدبلوماسية، والميدانية، والإعلامية، ضرورة وطنية ملحة. إن إفشال هذا المخطط يتطلب وحدة فلسطينية شاملة، وضغطاً شعبياً عربياً وعالمياً لوقف التهجير القسري وفضح المخططات الصهيوأمريكية أمام الرأي العام الدولي.