مشاريع الشرق خصومه إيران وعداء الدخيل

بقلم إسلام صالح
لطالما كان الشرق الأوسط بوتقة حضارات وتفاعلات معقدة، تشكلت على مر العصور بفعل مشاريع فكرية وحضارية سعت لقيادة المنطقة وتشكيل مستقبلها. بالنظر المتأني، يمكننا أن نميز بوضوح ثلاثة مشاريع رئيسية ظلت تتنافس وتتفاعل في المنطقة، في علاقة أقرب ما تكون إلى الخصومة منها إلى العداء الصريح.
المشروع الأول هو المشروع المصري، المتجذر في عمق التاريخ وعراقة الحضارة الفرعونية. مشروع قام على مفهوم الدولة الوطنية الحديثة منذ زمن بعيد، وعلى تأثير ثقافي وحضاري امتد ليشمل المنطقة بأسرها. لطالما كانت مصر بوزنها التاريخي والديموغرافي والثقافي ركيزة أساسية في الشرق الأوسط، تسعى للاستقرار والتنمية، وتقدم نفسها كنموذج للتعايش والازدهار.
المشروع الثاني هو المشروع التركي، الذي استمد قواه من إرث الإمبراطورية العثمانية.
مشروع يركز على الهوية الثقافية التركية وموقعها الجيوسياسي، ويسعى لمد نفوذه وتأثيره في المنطقة عبر بوابة الاقتصاد والثقافة والقوة الناعمة.
أما المشروع الثالث فهو المشروع الفارسي، الضارب بجذوره في التاريخ الإيراني العريق.
مشروع يعتمد على الهوية الشيعية في جانب، وعلى إرث الإمبراطورية الفارسية في جانب آخر، ويسعى لتأكيد دوره كقوة إقليمية مؤثرة، معتمداً على عمقه الثقافي والجغرافي.
تفاعلت هذه المشاريع الثلاثة على مر العصور في سياق من الخصومة الإيجابية لا العداء المدمر.
كانت هناك منافسة على النفوذ، واختلاف في الرؤى، وتدافع في المصالح، لكنها لم تصل إلى حد السعي لتدمير الآخر أو إلغاء وجوده. كل مشروع كان يدرك أهمية الآخر كجزء من نسيج المنطقة، وأن بقاءه يمثل توازناً استراتيجياً ضرورياً.
غير أن هذا المشهد التاريخي والتقليدي شهد تحولاً جذرياً بظهور مشروع رابع: المشروع الصهيوني. هذا المشروع، على عكس المشاريع الثلاثة الأخرى، ولد عدواً بطبيعته.
لم يسعَ للتنافس أو الخصومة، بل سعى منذ اللحظة الأولى لزعزعة استقرار المنطقة، وتدمير مقومات المشاريع الأخرى، وتفتيت وحدتها، سعياً لتحقيق أهدافه التوسعية وضمان بقائه على حساب الآخرين. هدفه ليس القيادة أو النفوذ، بل الإلغاء والتدمير.
لقد استغل المشروع الصهيوني غياب الدور المصري وتراجعه أحياناً عن المشهد، ليملأ الفراغ الذي تركته القاهرة، وليزرع بذور الشقاق بين المشاريع التقليدية. ومما يثير الاستغراب أن أحد أهم الأوراق التي استخدمها هذا المشروع لتبرير وجوده وتوسعه، كانت “تخويف” دول الخليج من المشروع الإيراني.
في حين أن التاريخ يشهد بأن إيران، بمشروعها الفارسي، موجودة في المنطقة منذ آلاف السنين، ولم تسعَ يوماً لإبادة مشروع عربي أو تركي. الخصومة بينها وبين المشاريع الأخرى لم ترتقِ أبداً إلى مستوى العداء الذي يسعى للزوال. لقد تم استخدام إيران كفزاعة وذريعة واهية لإيجاد موطئ قدم للكيان الصهيوني وتعزيز نفوذه.
إن فهم هذه المشاريع وتمايزها بين الخصومة والعداوة هو مفتاح فهم تعقيدات المنطقة.
فبينما يمكن للمشاريع الثلاثة الأصلية أن تتعايش وتتنافس بشكل بناء لخدمة شعوب المنطقة، يبقى المشروع الصهيوني هو الاستثناء الذي يهدد السلام والاستقرار، لأنه ولد في أساسه مشروعاً معادياً يسعى للتدمير لا التعايش