مقالات
أخر الأخبار

حلقة واحدة تغيّر كل شيء في كتاب قوة العادات – تشارلز دويج

بقلم – د خالد السلامي

كم مرة حاولت أن تغيّر عادة سيئة وفشلت؟ كم مرة خطّطت لبدء عادة مفيدة ثم نسيتها بعد أسبوع؟ نُفكّر كثيرًا أن العادات تتكوّن بقوة الإرادة، أو بالتحفيز، أو بكثرة التكرار. لكن كتاب “قوة العادات” لتشارلز دويج يكشف أن هناك نظامًا داخليًا بسيطًا جدًا، لكنه قوي جدًا، يتحكّم بعاداتنا اليومية من خلف الكواليس.

الكتاب لا يتحدث بلغة الحماس، بل بلغة علم الأعصاب، ويشرح كيف تتشكّل العادات في الدماغ، ولماذا يصعب تغييرها، ولماذا يمكن استبدالها بطريقة أكثر ذكاءً.

دويج لا يقدّم لك نصائح تقليدية، بل يسلّط الضوء على نموذج يُسمّى “حلقة العادة” – ثلاث خطوات صغيرة، إذا فهمتها، تستطيع أن تغيّر سلوكك بدون صراع دائم.

هذا المقال يأخذك في جولة عبر هذا الكتاب، يشرح لك الآلية، يعرض أمثلة من الحياة الواقعية، ويمنحك أدوات لفهم نفسك… لا لتلومها، بل لتقودها.

لأن الحياة ليست ما نفعله أحيانًا، بل ما نفعله دائمًا.

عن الكاتب ولماذا كتب هذا الكتاب؟

تشارلز دويج ليس عالمًا نفسيًا تقليديًا ولا مدربًا شخصيًا شهيرًا، بل صحفي استقصائي في صحيفة نيويورك تايمز، اعتاد أن يبحث عن خيوط القصص المخفية خلف سلوك الناس. لكنه في لحظة ما من حياته اليومية، سأل نفسه سؤالًا بسيطًا: لماذا نعيد نفس الأفعال يومًا بعد يوم… حتى لو كنا نعرف أنها لا تفيد؟

هذا السؤال كان بداية رحلته داخل علم العادة، فبدأ يغوص في الدراسات العصبية، ويقابل باحثين وخبراء، ويجمع قصصًا من شركات عملاقة وأشخاص عاديين، ليصل إلى فكرة محورية: العادات ليست قرارات… بل استجابات مبرمجة داخل الدماغ.

الكتاب نُشر عام 2012، وحقق شهرة واسعة لأنه لم يكن مجرد تحليل علمي، بل دليل تطبيقي يمكن أن يغيّر نظرتنا لأبسط تفاصيل الحياة: من طريقة تناول الإفطار إلى أسلوب العمل أو حتى التعامل مع التوتر.

ما يجعل دويج مختلفًا هو أسلوبه. لا يكتب كنظري، بل يربط كل فكرة بقصة. يشرح، ثم يعطيك مفاتيح، ثم يقول لك: جرب بنفسك.

الركيزة الأساسية: حلقة العادة

في صلب هذا الكتاب يقف نموذج بسيط جدًا لكنه عبقري: حلقة العادة. يقول دويج إن كل عادة – مهما كانت – تمرّ بثلاث مراحل متكررة:

1. الإشارة (Cue): شيء يوقظ دماغك للقيام بعادة معينة. قد تكون ساعة محددة، مكانًا معينًا، شعورًا داخليًا، أو حتى شخصًا بعينه.

2. السلوك (Routine): وهو الفعل نفسه. تناول قطعة شوكولاتة، فتح الهاتف، التسويف، أو الذهاب للتمرين.

3. المكافأة (Reward): ما تشعر به بعد الفعل. راحة، متعة، تهدئة قلق، أو شعور بالإنجاز.

الدماغ يحب المكافأة، لذلك يحتفظ بالحلقة كاملة ليعيدها بشكل تلقائي. مع التكرار، تصبح هذه الحلقة تلقائية، لا تفكر فيها، بل تنفذها بشكل لا واعٍ.

والذكي هنا أن دويج لا يطلب منك أن توقف العادة السيئة فجأة. بل يقول: لا تستطيع إزالة العادة، لكن يمكنك أن تعيد ترتيبها.

أي أنك إذا عرفت الإشارة والمكافأة… يمكنك استبدال السلوك بسلوك آخر أكثر فائدة. هذه النقطة هي مفتاح التغيير الحقيقي.

ولأن كل شيء يبدأ من حلقة صغيرة… فإن كل تغيير كبير لا يحتاج أكثر من وعي بهذه الحلقة فقط.

أمثلة واقعية تغيّرت فيها حياة أشخاص وشركات

قوة هذا الكتاب لا تأتي من نظرياته فقط، بل من القصص التي يرويها، والتي تُظهر كيف يمكن للعادات أن تغيّر مصير شخص… أو حتى مؤسسة.

من أبرز الأمثلة التي تناولها دويج:

 شركة ألمنيوم أمريكية (ALCOA)

عندما تولّى الرئيس التنفيذي الجديد إدارة الشركة، لم يَعِد بالمزيد من الأرباح أو التوسّع، بل قال ببساطة: “سنركّز على السلامة المهنية.” بدا الأمر غريبًا، لكن هذه العادة الصغيرة (الانتباه للسلامة) غيّرت طريقة عمل الموظفين، وخلقت ثقافة مسؤولية، أدّت لاحقًا إلى تحسّن في الإنتاجية والأرباح.

مدمن سابق تمكّن من تجاوز إدمانه

في قصة أحد الأشخاص الذين اعتادوا على شرب الكحول عند الشعور بالضغط، لم يُطلب منه فقط التوقف، بل اكتشاف ما هي الإشارة (الضغط)، وما هي المكافأة (الاسترخاء)، ثم استبدال السلوك الضار (الشرب) بسلوك صحي (الجري أو الكتابة). النتيجة؟ تحوّل كبير وثابت.

 محلات ستاربكس وسلوك الموظفين

في فروع ستاربكس، يتم تدريب الموظفين على “عادات استجابة” للتعامل مع الزبائن الغاضبين، مثل التنفس العميق، والرد بنبرة هادئة. الهدف؟ أن يصبح التعامل الراقي عادة تلقائية، لا مجرد رد فعل مؤقت.

هذه القصص توضّح أن العادة ليست سلوكًا بسيطًا… بل نظام يمكن هندسته لإعادة بناء بيئة كاملة.

كل شخص، كل فريق، كل شركة… لديها عادات. ومن يملك الشجاعة ليعيد النظر فيها، يمكنه أن يغيّر كل شيء، أحيانًا بحركة صغيرة فقط.

كيف تُغيّر عادة فعليًا؟

دويج يضع أمامنا نموذجًا واضحًا لتغيير العادات. التغيير لا يحدث بالقوة، بل بالذكاء. لا تحتاج أن تحذف العادة القديمة من جذورها – لأن هذا شبه مستحيل – بل أن تُعيد توجيهها:

1. راقب عادتك جيدًا.

لاحظ متى تحدث، أين، مع من، وماذا تشعر قبلها. حدّد الإشارة.

2. اسأل: ما هي المكافأة التي أحصل عليها؟

هل أنت تشرب القهوة لأنك تحتاج الكافيين؟ أم لأنك تهرب من التوتر؟ أم لأنك تفتّش عن راحة؟ تحديد المكافأة بوضوح هو المفتاح.

3. بدّل السلوك فقط، لا الحلقة.

احتفظ بالإشارة نفسها، وحاول أن تمنح نفسك نفس المكافأة… لكن بسلوك آخر. بدلًا من تصفّح الهاتف بعد التعب، جرّب الخروج للمشي. بدلًا من الحلويات… كوب ماء بارد.

4. اكتب خطة واضحة مسبقًا.

دويج يؤكّد: لا تنتظر اللحظة لتفكّر. اكتب: “إذا شعرت بكذا… سأفعل كذا.” هذا ما يسمّيه بعادة التخطيط.

5. كرّر، ولا تحكم بسرعة.

الدماغ يحتاج تكرارًا ليقتنع. لا تتوقع أن يتغيّر كل شيء في يوم أو أسبوع. التغيير عادي أن يتعثّر… المهم أن تتابع الحلقة الجديدة بوعي.

هذه الخطوات ليست نظرية فقط، بل مطبّقة في مؤسسات إعادة التأهيل، وفي شركات التطوير الذاتي، وحتى في حملات تغيير السلوك الصحي. ولأن العادة لا تختفي… بل تتحوّل، فإن كل ما تحتاجه هو أن تختار شكلها الجديد بنفسك.

نقاط القوة في الكتاب

ما يجعل كتاب قوة العادات مميزًا أنه لا يقدّم مفاهيم مجردة، بل يربط بينها وبين حياتنا اليومية بطريقة ذكية وعملية. ومن أبرز نقاط القوة فيه:

 أسلوب قصصي جذّاب: دويج لا يشرح فقط، بل يحكي قصصًا واقعية من شركات مثل ستاربكس وALCOA وحتى تجارب مدمنين ورياضيين، ما يجعل القارئ يتفاعل بسهولة.

 دمج بين العلم والتطبيق: يعتمد على دراسات علم الأعصاب والسلوك، لكنه لا يكتفي بها، بل يترجمها إلى أدوات عملية يمكن لأي شخص استخدامها.

 بساطة النموذج الأساسي: نموذج “حلقة العادة” ثلاثي الخطوات (إشارة – سلوك – مكافأة) سهل الفهم والتطبيق، ويمكن إعادة استخدامه في كل جانب من جوانب الحياة.

 قابلية التعميم: يمكن استخدام أفكاره في تحسين الذات، تطوير المؤسسات، أو حتى تعديل العادات في العلاقات الشخصية أو الدراسة.

 يشجع على التغيير الهادئ: لا يقدّم وعودًا مستحيلة، بل يعترف أن التغيير صعب، لكنه يُنجز بخطوات صغيرة وثابتة.

كل هذه النقاط تجعل الكتاب دليلاً واقعيًا لكل من يريد فهم نفسه بشكل أفضل، وإعادة تشكيل سلوكه بحكمة… لا بعصبية.

الانتقادات المحتملة

ورغم قوة الكتاب ونجاحه الكبير، إلا أنه لم يسلم من بعض الملاحظات النقدية، خاصة من قُرّاء يميلون للتفصيل أو العمق النفسي:

 الاعتماد على أمثلة أمريكية فقط: أغلب القصص والحالات تنتمي للثقافة الأمريكية، مما قد يجعل بعض القراء يشعرون بصعوبة تطبيق المفاهيم في بيئات مختلفة.

 التبسيط في بعض المواضع: يرى البعض أن شرح السلوك البشري على أنه مجرد حلقة ثلاثية قد لا يكفي لفهم عادات معقّدة جذورها أعمق من مجرد إشارة ومكافأة.

 قلة التركيز على الجانب العاطفي أو الصدمات: رغم الحديث عن التغيير، لا يدخل الكتاب في تعقيدات مثل العادات الناتجة عن تجارب مؤلمة أو أمراض نفسية.

 التركيز على الفرد أكثر من البيئة: بعض النقاد يرون أن الكتاب يحمل الفرد مسؤولية كاملة دون اعتبار كافٍ للظروف المحيطة التي تؤثر أيضًا على بناء العادات.

ومع ذلك، فإن هذه الانتقادات لا تُقلّل من قيمة الكتاب، بل تشير إلى حدوده التي يمكن للقارئ أن يكون واعيًا لها. الكتاب ليس علاجًا شاملًا، لكنه أداة قوية للوعي والانطلاق نحو التغيير.

أنت ما تفعله… لا ما تنوي فعله

في نهاية كتاب قوة العادات، لا يطلب منك دويج أن تصبح شخصًا جديدًا، ولا يطالبك بالتخلّي عن نفسك. بل يقول لك شيئًا أبسط، أهدأ، لكنه أكثر تأثيرًا: إذا أردت أن تفهم من أنت… راقب ما تفعله كل يوم.

النية وحدها لا تغيّر شيئًا. ما يغيّرنا هو الفعل، التكرار، الوعي. والسلوك الذي نكرّره – ولو دون وعي – هو ما يُشكّل شخصيتنا، علاقاتنا، طريقتنا في العيش.

ليس عليك أن تبدأ من نقطة الصفر. فقط اختر عادة واحدة. صغيرة. واضحة. قريبة منك. وافهم إشارتها، ومكافأتها. ثم ابدأ بالتعديل.

لأن القوة ليست في القرار الكبير… بل في التكرار الصغير.

العادات لا تقودك… إذا كنت أنت تمسك بالمقود.

وفي هذه التفاصيل الصغيرة… يكمن التغيير الحقيقي

المستشار الدكتور خالد السلامي ..عضو الامانه العامه للمركز العربي الأوربي لحقوق الإنسان والقانون الدولي وممثل عنه في دولة الإمارات العربية المتحدة

 

script async src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-6898956440328841" crossorigin="anonymous">
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى