
كتبت مريم مصطفى
أعلن علماء آثار عن العثور على أقدم دليل مباشر لمضغ نبات له تأثير نفسي في التاريخ البشري، وذلك من خلال دراسة تحليلية أجريت على جير الأسنان المتكلّس لهياكل بشرية دُفنت في موقع “نونج راتشوات” الأثري بوسط تايلندا، ويعود تاريخها إلى نحو 4000 عام.
وتمكنت الدراسة، التي نُشرت في دورية “Frontiers in Environmental Archaeology”، من إثبات استخدام البشر في تلك الحقبة لمزيج نباتي يُعرف اليوم باسم “جوزة التنبول”، وهو خليط يشمل بذور الفوفل (أريكا)، وأوراق التنبول، والجير المطفأ، ويُعرف بقدرته على منح شعور بالانتعاش والنشاط وربما النشوة المؤقتة.
ويُعتبر هذا الاكتشاف أول دليل بيولوجي مباشر على استخدام نباتات ذات تأثير نفسي في الطقوس الاجتماعية والثقافية بجنوب شرق آسيا، ما يعيد صياغة المفاهيم حول علاقة الإنسان بالنباتات منذ العصور السحيقة، ويؤكد أن الاعتماد على النباتات المبهجة بدأ قبل ما كان يُعتقد بزمن طويل.
أخذ الباحثون 36 عينة من جير الأسنان من 6 أفراد دُفنوا في الموقع الأثري، وتبيّن أن أحد المدفونين (المعروف برقم 11) يحمل في ضرسه الطاحن آثارًا لمركبَي “أريكلين” و”أريكايدين”، وهما مركبان عضويان يوجدان عادة في جوزة التنبول، ولهما تأثير نفسي مشابه لتأثير بعض مكونات القهوة أو التبغ.
ولتأكيد نتائجهم، ابتكر العلماء تجربة مختبرية تحاكي عملية المضغ، تضمنت نفس مكونات التنبول، وحتى لعاب بشري، ما أتاح لهم تتبع التفاعلات الكيميائية الحيوية التي تحدث في الفم خلال المضغ.
المثير في الأمر أن أسنان الأفراد لم تُظهر التلوّن الأحمر المعتاد الناتج عن الاستخدام المزمن لهذه المادة، ما يفتح باب التساؤلات حول اختلاف طرق الاستعمال أو سلوكيات النظافة الشخصية، أو ربما تغيرات بيئية طمست هذه العلامات مع الزمن.
ويأمل فريق البحث في توسيع نطاق الدراسة لتشمل مزيدًا من المدفونين في الموقع، بهدف رسم صورة أوضح لمدى انتشار استخدام جوزة التنبول في العصور القديمة.
الباحثون يرون أن هذا النوع من الأبحاث يساهم في الكشف عن تفاصيل دقيقة لحياة القدماء، ويساعد على فهم كيف شكلت النباتات ذات التأثير النفسي جزءًا من منظومة العلاج والمعرفة والروحانية لدى الإنسان القديم.