عرب و عالم
أخر الأخبار

إعادة احتلال غزة: قراءة في نوايا العدوان ومحاولة شرعنة الاحتلال من جديد

 

 بقلم: د. أحلام أبو السعود

سفيرة الإعلام العربية والباحثة في الشؤون الفلسطينية

 مقدمة: كواليس المصادقة على الخطة الإسرائيلية الجديدة

في مساءٍ مشحون بالرغبة في التصعيد، أعلن مكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينت) قد صادق على خطة وصفت بـ”الحاسمة” تهدف إلى “إنهاء المعركة ضد حماس”، وعلى ما يبدو فإن العنوان العريض للخطة هو “إعادة احتلال غزة” بغطاء أمني وإداري جديد.

وبينما يتحدث نتنياهو عن “تقديم المساعدات للمدنيين”، تمضي دباباته في سحق المدنيين يوميًا تحت الأنقاض، وتتزايد وتيرة المجازر بحق أبناء شعبنا في غزة.

 تفكيك المبادئ الخمسة لخطة الكابينت: حرب إبادة بثوب دبلوماسي

تتضمن الخطة الإسرائيلية خمسة مبادئ تشكل الأساس لمرحلة “ما بعد الحرب” في القطاع، وهي في ظاهرها سياسية، لكنها في جوهرها خطة إحلال وتطهير واستعمار استراتيجي طويل الأمد:

1. نزع سلاح حماس: محاولة لضرب العمود الفقري للمقاومة الفلسطينية، وتفريغ غزة من أي قدرة على الدفاع.

2. إعادة الأسرى والرفات: استخدام إنساني مفرغ من معناه لتبرير عملية عسكرية طويلة الأمد.

3. نزع السلاح من قطاع غزة كاملاً: ليس فقط من حماس، بل من كل من قد يشكل مقاومة محتملة مستقبلاً.

4. سيطرة أمنية إسرائيلية على غزة: عودة صريحة للاحتلال المباشر، وإن كانت تحت غطاء “أمني”.

5. إيجاد إدارة مدنية بديلة: محاولة لإنهاء فكرة المشروع الوطني الفلسطيني، لا حماس ولا السلطة، بل وكلاء محليون أو جهات دولية بتمويل خارجي، أي إدارة عميلة لا تمثل الشعب.

 السيناريوهات المتوقعة: من غزة إلى صراع إقليمي أشمل؟

هذه المصادقة الإسرائيلية ليست مجرد إجراء داخلي، بل رسالة إقليمية ودولية بأنها مستعدة لتجاهل كل الدعوات لوقف إطلاق النار أو المسار التفاوضي. وهي تعني فعليًا:

دخول الجيش الإسرائيلي في أتون مواجهة مفتوحة داخل مدينة غزة المكتظة، ما قد يفجّر الأوضاع من جديد في لبنان والضفة وحتى البحر الأحمر.

زيادة احتمالية الردود المقاومة النوعية من غزة، رغم شراسة العدوان، بما يؤكد أن المقاومة لم تُهزم بعد، بل تراكم تجاربها.

استنزاف الداخل الإسرائيلي سياسيًا وعسكريًا، وتوريط المجتمع الدولي في معركة طويلة الأمد ذات أبعاد أخلاقية وقانونية.

 رأي الكاتبة: بين نكبة مستمرة وصمود أسطوري

ما يحدث اليوم هو محاولة لإعادة سيناريو النكبة بصيغة أكثر تنظيمًا وخبثًا: لا تهجير جماعي فوري فقط، بل قتل منهجي بطيء، وفرض واقع جديد بقوة الدمار والتجويع.

إن مصادقة الكابينت على هذا المخطط تعني أن الاحتلال لم يعد يخشى الرأي العام، ولا يضع أي اعتبار للقانون الدولي، وهو بذلك يُعري المجتمع الدولي ويكشف مدى تواطئه وصمته.

لكن في المقابل، أثبت الفلسطيني في غزة، وفي كل فلسطين، أنه أصعب من الكسر، وأعمق من الاجتثاث. فالذي صمد أكثر من 300 يوم تحت القصف والحصار والمجازر، لن تروّضه دبابة ولا تسكنه “إدارة مدنية بديلة”.

 ختامًا: غزة ليست ساحة مفتوحة للوصاية بل عنوان للحرية

الحديث عن نزع السلاح وإدارة بديلة لا يعكس سوى فشل الاحتلال في فرض معادلة “غزة المطيعة”، ويعبر عن رغبته الجامحة في اغتيال الوعي المقاوم الفلسطيني.

لكن ما لم يفهمه الاحتلال بعد، هو أن الهوية الفلسطينية لا تُدار ولا تُفرض، بل تُصاغ من دماء الشهداء وصمود الأمهات وصوت الأرض.

ولن تكون غزة إلا كما عهدناها:

الجرح النازف الذي ينبت وطناً… والرماد الذي يصنع ثورة.

script async src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-6898956440328841" crossorigin="anonymous">
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى