مقالات

كتبت الباحثة في الشؤون الفلسطينية الإعلامية والشاعرة د. أحلام أبو السعود رئيس ومؤسس أسرة فلسطين وطن ومنتدى العروبة تجمعنا

 

ترامب وأوهام السيطرة: بين جنون العظمة وسقوط الإمبراطوريات

منذ توليه منصب الرئاسة وحتى اليوم، لم يتوقف دونالد ترامب عن إثارة الجدل بتصريحاته وخططه الفوضوية، التي لا تنبع من رؤية سياسية عميقة بقدر ما تعكس أسلوبًا شعبويًا قائمًا على خلق الأزمات والاستفادة من الفوضى. أحد أبرز هذه الأوهام هو فكرة السيطرة على غزة وتهجير أهلها، في إطار مخطط أوسع لضم أراضٍ جديدة، سواء للولايات المتحدة أو لإسرائيل، في محاولة لفرض واقع جيوسياسي جديد يخدم أجنداته الانتخابية والشخصية.

ما يفعله ترامب ونتنياهو ليس مجرد تصريحات جوفاء أو تهديدات عابرة، بل هو جزء من استراتيجية مدروسة تهدف إلى تحويل الأفكار المستحيلة إلى قضايا قابلة للنقاش. فإثارة الضجة الإعلامية حول فكرة تهجير الفلسطينيين من غزة ليست لكون تنفيذها ممكنًا، بل لجعلها تُناقَش وكأنها احتمال مطروح، مما يضع الأطراف المعنية في موقف دفاعي بدلًا من رفضها فورًا. كما أن إطلاق سيل من التصريحات المتضاربة حول مخططات التهجير يربك الإعلام والمعارضة، ويجعلهم ينشغلون بالرد على كل تصريح بدلًا من التركيز على جرائم الاحتلال وفشله العسكري. هذه الطريقة ليست جديدة، بل تعتمد على مبدأ أن تكرار الفكرة، حتى لو كانت مرفوضة عالميًا، يجعلها مألوفة وأكثر قبولًا لدى بعض الأطراف، تمامًا كما حدث مع كذبة أسلحة الدمار الشامل التي بررت غزو العراق.

ترامب لا يحلم فقط بفرض الهيمنة الإسرائيلية على غزة والضفة، بل يسعى إلى توسيع نفوذ الولايات المتحدة كما لو كان يدير شركة عقارات ضخمة. فقد تحدث عن شراء غرينلاند، وضم كندا، وحتى السيطرة على قناة بنما. هذه الأوهام لا تعبر عن قوة استراتيجية، بل عن عقلية رجل أعمال مغرور يظن أن الدول تُباع وتُشترى في مزاد. لكن السؤال الحقيقي هو: هل يمكن تحقيق هذه الأوهام؟ الإجابة ببساطة: لا. فالعالم لم يعد كما كان في القرن التاسع عشر، والقوى الدولية والإقليمية لن تسمح بتمرير هذه المشاريع العبثية. بل على العكس، هذه التصرفات الطائشة تُسرِّع من تراجع النفوذ الأمريكي عالميًا، وتخلق أعداء جدد لواشنطن، وهو ما رأيناه في تصاعد العداء لسياسات ترامب حتى من داخل أمريكا نفسها.

كل إمبراطورية شهدها التاريخ سقطت عندما بالغ قادتها في الغرور وظنوا أن قوتهم لا حدود لها. ترامب هو تجسيد حي لهذه القاعدة، فسياساته الفوضوية، وخطاباته العنصرية، وقراراته العدائية تجاه الحلفاء والخصوم على حد سواء، جعلت أمريكا تفقد الكثير من هيبتها ومصداقيتها. إذا استمر هذا النهج، فسيكون ترامب سببًا رئيسيًا في تسريع انهيار الولايات المتحدة، ليس بسبب ضعفها الداخلي فقط، بل لأن العالم لم يعد مستعدًا لتحمل رئيس متهور يعبث بمصير الشعوب وكأنها لعبة في يده.

script async src="https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js?client=ca-pub-6898956440328841" crossorigin="anonymous">
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى