
كتبت / رنيم علاء نور الدين
في ظهيرة يوم هادئ من أيام ديسمبر 2023، لم يكن أحد من طلاب كلية الزراعة بجامعة القاهرة يتوقع أن تنقلب أروقة الحرم الجامعي إلى مسرح دموي. لم تكن هناك مظاهرات، ولا شجار طلابي، ولا حتى خلاف عابر. لكن مع حلول الساعة الثانية عشرة ظهرًا، ساد صمت ثقيل أعقبه صراخ مفزع من داخل مبنى الطالبات. كان الدم قد سال فعلًا، وكانت نورهان مهران قد سقطت قتيلة.
نورهان، 33 عامًا، كانت موظفة إدارية داخل الكلية، معروفة بهدوئها الشديد وابتسامتها الخجولة. فتاة بسيطة من حي المعادي، تعمل بإخلاص وتعود لبيتها كل يوم في نفس الموعد. لم يكن في حياتها ما يوحي بأنها قد تصبح ضحية لرجل أحبها حتى الهوس… أو ادّعى ذلك.
المتهم كان زميلًا سابقًا لها في نفس الكلية، موظفًا إداريًا تم نقله منذ عدة شهور بسبب شكاوى متكررة من سلوكه. كان يُعرف بين زملائه بلقب “الملاحق”، نظرًا لكثرة محاولاته التقرب من زميلاته، وعلى رأسهن نورهان. كانت تتهرب منه، وترفض الرد على رسائله، وتبلغ رؤساءها في العمل بتصرفاته، لكنه لم يتوقف.
في صباح الجريمة، تسلل القاتل إلى داخل الكلية رغم أنه لم يعد يعمل بها رسميًا. كان يحمل حقيبة صغيرة، وبداخلها مسدس محلي الصنع، حصل عليه من أحد البلطجية مقابل مبلغ مالي. دخل المبنى بهدوء، راقب نورهان حتى لحظة دخولها إلى دورة المياه، ثم تبعها دون أن يراه أحد.
كانت اللحظة التالية هي لحظة الموت.
أطلق عليها ثلاث رصاصات متتالية من مسافة قريبة. الأولى اخترقت صدرها، الثانية استقرت في رقبتها، والثالثة أُطلقت في الهواء لكنها ارتدت من الحائط لتصيبها في الذراع. صرخت نورهان لمرة واحدة فقط، ثم انهارت وسط الدماء. واحدة من الطالبات سمعت الصوت وصرخت، فهرب القاتل قبل أن يراه أحد.
انتشر الخبر كالنار في الهشيم داخل الحرم الجامعي. طلاب يركضون، موظفون في ذهول، وأساتذة لم يصدقوا أن جريمة قتل حصلت في أقدس أماكن العلم. أُبلغت الشرطة، وتم تطويق المكان، بينما كانت نورهان تنقل في سيارة الإسعاف إلى المستشفى لكنها فارقت الحياة قبل أن تصل.
التحقيقات كشفت أن القاتل هرب إلى أحد الشقق المفروشة في بولاق الدكرور، حيث ظل مختبئًا يومين. وعندما شعر أن الشرطة تقترب، قرر ألا يُقبض عليه حيًا. فجر نفسه داخل الشقة باستخدام عبوة ناسفة بدائية، تاركًا خلفه أوراقًا ورسائل مكتوبة بخط يده، كلها مليئة بالعبارات المضطربة، التي توضح أنه كان يعتقد أن نورهان تحبه، لكنها “خانته”.
في رسالته الأخيرة كتب:
“كنتِ كل حياتي… لما قررتِ تتجاهليني، خدتِ مني روحي، بس أنا رجّعتها.”
النيابة العامة وصفت الحادث بـ”جريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد داخل مؤسسة تعليمية”، وتم فتح تحقيق موسع حول كيفية دخوله الحرم دون رقابة، ومدى تقصير الأمن الإداري.
الجامعة أعلنت الحداد ثلاثة أيام، وخرجت جنازة نورهان من بيت أسرتها في المعادي وسط بكاء المئات من زملائها وزميلاتها.
والد نورهان قال في تصريح للصحافة:
“بنتي كانت بتخاف من ظله، وبلغت عنه أكتر من مرة… محدش أنقذها، حتى لما طلبت المساعدة.”
وهكذا، قُتلت نورهان داخل مكان كان يجب أن يكون أكثر الأماكن أمانًا… قُتلت لأن رجلاً قرر أن الحب يُنتزع بالقوة.