تحليل سياسي: الدعوى الإسرائيلية ضد السلطة الفلسطينية – ضربة استباقية لحماية إسرائيل من المساءلة الدولية

بقلم سفيرة السلام الدولي وسفيرة الإعلام العربي
د. أحلام محمد أبو السعود
في خطوة عدائية جديدة، رفع أكثر من 500 إسرائيلي متضرر من عملية 7 أكتوبر دعوى قضائية أمام المحكمة المركزية في القدس ضد السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير ووزير شؤون الأسرى قدورة فارس، متهمينهم بمسؤولية مباشرة وغير مباشرة عن الهجوم، ومطالبين بتعويضات ضخمة تصل إلى 4.5 مليار شيكل. هذه الخطوة، رغم أنها تبدو في ظاهرها قانونية، تحمل في طياتها أبعادًا سياسية واستراتيجية تهدف إلى تحقيق عدة أهداف تخدم مصالح الاحتلال الإسرائيلي على المدى القريب والبعيد.
1. تشتيت الأنظار عن جرائم الحرب الإسرائيلية
تأتي هذه الدعوى في وقت تصاعدت فيه الجهود الفلسطينية والدولية لمقاضاة قادة الاحتلال الإسرائيلي أمام محكمتي الجنايات الدولية والعدل الدولية، خصوصًا بعد المجازر الوحشية التي ارتكبتها قوات الاحتلال في غزة والضفة الغربية، والتي ترقى إلى مستوى جرائم الحرب والإبادة الجماعية. تهدف إسرائيل بهذه الخطوة إلى تحويل الأنظار عن جرائمها، وإعادة توجيه الخطاب الدولي نحو مزاعمها بأن الفلسطينيين هم المسؤولون عن التصعيد، مما يخلق معادلة زائفة تحاول فيها المساواة بين الضحية والجلاد.
2. توفير غطاء قانوني ودعائي للضغط على السلطة الفلسطينية
تمثل هذه الدعوى محاولة للضغط على السلطة الفلسطينية من خلال التهديد بإجراءات قانونية إسرائيلية قد تستهدف أموالها وأصولها المالية. إذ سبق لإسرائيل أن استخدمت المحاكم المحلية لحجز أموال الضرائب الفلسطينية، وهذه الدعوى قد تكون مقدمة لمحاولة اقتطاع مبالغ ضخمة من أموال السلطة، ما قد يؤثر على قدرتها على أداء مهامها، لا سيما في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور.
3. استباق الجهود القانونية الفلسطينية والدولية ضد الاحتلال
تعلم إسرائيل أن السلطة الفلسطينية بالتعاون مع مؤسسات حقوقية دولية تواصل تقديم ملفات قانونية لمحكمة الجنايات الدولية، تتهم فيها قادة الاحتلال بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، خاصة بعد المجازر التي ارتُكبت في غزة خلال الأشهر الماضية. ولذا، فإن رفع هذه الدعوى يأتي كخطوة استباقية تهدف إلى خلق انطباع زائف بأن هناك “طرفين متهمين”، مما قد يؤثر على الرأي العام الدولي، ويساهم في إضعاف الدعم القانوني والدبلوماسي للتحركات الفلسطينية.
4. محاولة تبرير سياسات القمع والعقوبات ضد الفلسطينيين
تسعى إسرائيل من خلال هذه الخطوة إلى منح نفسها مبررات إضافية لتصعيد سياساتها القمعية ضد الفلسطينيين، سواء من خلال الاعتقالات الجماعية أو استهداف الأسرى والمحررين أو حتى تشديد الحصار المالي والسياسي على السلطة الفلسطينية. وقد تستخدم هذه القضية ذريعة لفرض عقوبات إضافية على المؤسسات الفلسطينية أو التضييق على الدبلوماسيين الفلسطينيين في الخارج.
5. توجيه الرأي العام الإسرائيلي نحو مزيد من التطرف
يأتي رفع هذه الدعوى في سياق بيئة سياسية إسرائيلية متطرفة، حيث تسعى الحكومة الحالية برئاسة بنيامين نتنياهو إلى تعزيز الدعم الشعبي لها من خلال تأجيج العداء ضد الفلسطينيين، خصوصًا بعد الانتقادات الداخلية التي تواجهها بسبب فشلها في التعامل مع تداعيات حرب 7 أكتوبر. هذه الدعوى تسهم في تعزيز الخطاب القومي المتطرف الذي يسعى إلى تحميل الفلسطينيين مسؤولية كل ما يحدث، وبالتالي تبرير أي إجراءات مستقبلية ضدهم.
الخاتمة: ضرورة مواجهة التحركات الإسرائيلية بالتصعيد القانوني والدبلوماسي
إن رفع هذه الدعوى يكشف بوضوح عن استراتيجية إسرائيل القائمة على الهجوم القانوني الاستباقي لتفادي المساءلة الدولية، وخلط الأوراق بهدف عرقلة الجهود الفلسطينية لمحاكمة قادتها كمجرمي حرب. لذا، من الضروري أن تستمر السلطة الفلسطينية والمنظمات الحقوقية الدولية في ملاحقة القادة الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية، وكشف التلاعب القانوني الإسرائيلي للرأي العام العالمي، وعدم السماح للاحتلال باستخدام أدواته القانونية لحرف مسار العدالة الدولية.
كما يجب العمل على تصعيد الدبلوماسية الفلسطينية، وتكثيف الجهود لحشد التأييد الدولي ضد ممارسات الاحتلال، مع إبراز التناقض في استخدام إسرائيل للقضاء، حيث ترفض الخضوع لمحكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، لكنها تلجأ إلى محاكمها المحلية لتمرير أجنداتها السياسية.
إن مواجهة هذه التحركات الإسرائيلية تتطلب استمرارية في النضال القانوني والدبلوماسي، فالمعركة الحقيقية ليست فقط على الأرض، بل أيضًا في ساحات القضاء الدولي حيث تسعى إسرائيل إلى تبرئة نفسها واتهام الضحية، وهو ما يستوجب التصدي له بحزم وباستراتيجية مدروسة.