تحليل سياسي شامل لزيارة نتنياهو إلى الولايات المتحدة الأمريكية

بقلم: سفيرة السلام العربي والباحثة في الشؤون الفلسطينية – د. أحلام أبو السعود
أولاً: خلفية الزيارة والسياق العام
تأتي زيارة رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الولايات المتحدة يوم الإثنين 7 أبريل 2025، في ظرف سياسي وأمني معقد، يتسم بتسارع الأحداث في الشرق الأوسط، بدءًا من التصعيد المستمر في غزة وجنوب لبنان، مرورًا بتوتر العلاقة مع إيران، ووصولًا إلى التحولات الجارية في الموقف الأمريكي تجاه ملفات المنطقة.
تُعد الزيارة جزءًا من مساعي نتنياهو لإعادة التموضع داخليًا وخارجيًا بعد فشله في حسم المواجهات العسكرية واهتزاز صورته أمام الرأي العام الإسرائيلي، وبحثه عن دعم أمريكي مباشر للهجوم على إيران، ومحاولة تحصيل تسهيلات اقتصادية في ظل أزمة خانقة تعصف بالاقتصاد الإسرائيلي نتيجة التكاليف الباهظة للحرب، والمقاطعة الدولية المتصاعدة.
ثانيًا: أهداف نتنياهو من الزيارة
1. الحصول على دعم مباشر لضرب إيران:
كان هدف نتنياهو الرئيس هو الحصول على ضوء أخضر أمريكي لتنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران، تحت ذريعة تحجيم نفوذها في سوريا ولبنان، ووقف دعمها لحركتي حماس وحزب الله.
2. الحصول على ضمانات اقتصادية وتجارية:
سعى نتنياهو إلى تأجيل أو إلغاء بعض الرسوم الجمركية الأمريكية على السلع الإسرائيلية، ومحاولة تأمين مساعدات مالية إضافية لتخفيف العبء الاقتصادي المتراكم بسبب الحرب.
3. تعزيز الدعم السياسي الدولي في ظل عزلته المتنامية:
أراد نتنياهو تسويق ما يسميه “انتصاراته العسكرية” أمام الإدارة الأمريكية، على أمل الحصول على غطاء سياسي لاستمرار العدوان على غزة، ومحاولة تحسين صورته داخليًا.
ثالثًا: الرد الأمريكي ومقترحات ترامب
الرئيس ترامب، على خلاف ما كان يأمله نتنياهو، تعامل مع الزيارة من منظور براغماتي اقتصادي لا أيديولوجي.
فجاء الرد الأمريكي صادمًا، عبر الخطوات التالية:
1. إعلان انطلاق مفاوضات مباشرة مع إيران في مسقط يوم 12 أبريل 2025، ما يُعد صفعة مزدوجة لنتنياهو، ورفضًا أمريكيًا لأي تصعيد عسكري في هذه المرحلة.
2. رفض تقديم أي تسهيلات جديدة لإسرائيل، سواء على الصعيد الاقتصادي أو العسكري، مع التلميح بأن واشنطن تبحث عن “صفقات لا مغامرات”، وأن المرحلة القادمة تتطلب التهدئة لا التصعيد.
3. إعادة التأكيد على المصلحة الأمريكية المستقلة، وأن إسرائيل ليست محورًا للقرار الاستراتيجي الأمريكي في المنطقة، ما يعكس تحولًا جديدًا في ميزان العلاقة التاريخية بين الطرفين.
رابعًا: الأبعاد المستقبلية للموقف الأمريكي
1. العودة إلى الدبلوماسية الإقليمية:
من الواضح أن أمريكا تسعى إلى تخفيف التوتر في المنطقة، وإعادة التموضع عبر مفاوضات مع إيران، والحوار مع الحلفاء العرب، تمهيدًا لمرحلة جديدة من التوازنات.
2. التقارب مع السعودية وفرنسا في مشروع “حل الدولتين”:
تشارك أمريكا مع السعودية وفرنسا في الإعداد لمؤتمر دولي في يونيو المقبل يهدف لإحياء حل الدولتين، في محاولة لإعادة الاعتبار للقضية الفلسطينية وامتصاص الغضب العربي.
3. محاولة تقليص النفوذ الصيني–الروسي:
واشنطن تدرك أن انسحابها من ساحة الوساطة السياسية يفتح الطريق أمام بكين وموسكو، لذا فهي تسعى الآن لاستعادة المبادرة، لا سيما في ظل تعقيدات الحرب في غزة ولبنان.
4. إعادة صياغة العلاقة مع إسرائيل:
الرسائل الأخيرة تحمل تحولًا استراتيجيًا قد يُمهد لمراجعة العلاقة الأمريكية–الإسرائيلية، خاصة في ظل خلافات حول ضم الضفة الغربية والقدس، واستخدام القوة المفرطة ضد المدنيين في غزة.
خامسًا: نظرة واشنطن تجاه القدس والضفة وغزة
موقف أمريكا من القدس:
لم تغير أمريكا موقفها الرسمي المعلن باعتبار القدس “عاصمة إسرائيل”، منذ عهد ترامب، لكن خطواتها الأخيرة تشير إلى تحفظ متزايد على أية خطوات استفزازية في الحرم الشريف، خصوصًا مع اشتداد الضغوط الإسلامية والعربية.
بالنسبة للضفة الغربية:
الموقف الأمريكي يميل إلى التهدئة ورفض الضم الأحادي، ويُفضل العودة إلى طاولة المفاوضات ضمن رؤية “حل الدولتين”، وإن كانت واشنطن ترفض فرض أي عقوبات على الاحتلال بسبب سياساته هناك.
أما بالنسبة لغزة
أصبحت غزة في واجهة الاهتمام الدولي، وأمريكا باتت ترى في استمرار الحرب تهديدًا لاستقرار الإقليم ومصالحها مع حلفائها الخليجيين، لذلك قد تدفع نحو وقف إطلاق نار شامل وربما مبادرة دولية لإعادة إعمار القطاع ضمن ترتيبات أمنية وسياسية جديدة.
سادسًا: السيناريوهات المحتملة
1. تهدئة إقليمية بضغط أمريكي – سعودي – فرنسي، يقابلها تراجع تدريجي في سياسة التصعيد الإسرائيلية، وإعادة التركيز على المسار السياسي.
2. مغامرة إسرائيلية جديدة في غزة أو لبنان، يقودها نتنياهو لخلط الأوراق والرد على “الطعنة الأمريكية”، ما قد يشعل مواجهة شاملة.
3. إعادة فتح ملف المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية، ولكن بشكل مختلف، تتزعمه السعودية بالشراكة مع واشنطن وباريس.
إن الزيارة لم تكن نجاحًا لنتنياهو، بل محطة فارقة في تراجع نفوذه السياسي والديبلوماسي.
أما أمريكا، فهي تتحرك بوضوح نحو إعادة تموضع براغماتي في الشرق الأوسط، يحفظ مصالحها مع الخليج، ويمنحها فرصة ترتيب أوراقها قبل الانتخابات، دون التورط في حروب جديدة.
ويبقى السؤال مفتوحًا:
هل تصمد تل أبيب أمام هذا التحول؟
وهل تنجح واشنطن في فرض معادلة جديدة تحفظ دماء الفلسطينيين وتُعيد الاعتبار للقانون الدولي؟
أم أن الطريق لا يزال محفوفًا بمفاجآت نتنياهو ومحاولاته الهروب للأمام؟