
كتبت / رنيم علاء نور الدين
في صباحٍ هادئ من صيف 2018، وبينما كان حي الرحاب الراقي بالقاهرة الجديدة يعيش يومًا اعتياديًا، لم تكن أسرة واحدة تدري أن جريمة مروعة تُدفن تحت الأرض في قلب الفيلا رقم 1 بمنطقة 6.
شاب في مقتبل العمر اختفى، وأسرة كاملة تبدو من الخارج مثالية… لكن الحقيقة كانت أبشع من أن تُتخيل.
بسام أسامة، 23 سنة، طالب في جامعة المستقبل، كان يعيش حياة طبيعية. وسيم، متفوق، محاط بأصدقاء كُثر، ومحبوب من الجميع. كان يتحدث كثيرًا عن والده، رجل الأعمال المعروف في مجال المقاولات. لكن خلف هذا الوجه العائلي المثالي، كانت هناك حياة موازية من الهروب، التزوير، والديون الثقيلة.
والده، أسامة النجار، لم يكن كما يبدو. رجل عليه عشرات القضايا، هارب من تنفيذ أحكام، يعيش بهويات مزيفة ويتنقل من مكان لآخر. في الرحاب، كان يُعرف باسم مستعار، ويخفي ماضيه تحت طبقة من الاحترام المزيف.
بدأت الشكوك تحيط بالأب عندما علم الابن – بالمصادفة – حقيقة اسم والده المزور، وأنه ملاحق من الأمن. بسام، الغاضب من كذب والده طوال حياته، هدده:
“هفضحك يا بابا… مش هسكت.”
لكن الأب، الذي اعتاد الهروب، لم يكن ليتحمل فضيحة كهذه. بدأ يخطط لجريمة خبيثة.
في إحدى الليالي، استدرج ابنه إلى الفيلا بحجة الحديث. جلسا في الحديقة، ودار حوارٌ أخير لم يسمعه أحد. بعدها، أعطى أسامة إشارة لصديقَين له – أحدهما يعمل حارس أمن – فانقضّا على بسام، وشلّوا حركته. ثم قام الأب بخنقه حتى لفظ أنفاسه.
لم يكتفِ بالقتل. بل خطط لتخليص نفسه من الجثة نهائيًا.
فتح حفرة كبيرة في حديقة الفيلا، ووضع فيها جثة ابنه بعدما لفها في بطانية. ألقى فوقها كميات من الجير والمبيدات، وسكب الأسمنت عليها حتى تُصبح جزءًا من أرض الحديقة. ثم زرع شجرة صغيرة فوق المكان.
مرّت أيام، والأم تسأل عن ابنها… الأصدقاء يبحثون… الشرطة تبدأ التحري.
لكن الأب كان مستعدًا بكل الأكاذيب:
“بسام سافر فجأة، وقطع الاتصال. مابعرفش عنه حاجة.”
حتى جاء اليوم الذي لم يعد فيه مجال للهروب. أحد أصدقاء بسام قدّم بلاغًا رسميًا. بدأت التحريات، وبتتبع هاتفه المحمول، اتضح أن آخر موقع تم رصده فيه كان فيلا الرحاب. الشبهات بدأت تحوم. وتم استدعاء الأب، الذي أنكر بشدة. لكن المفاجأة الكبرى جاءت بعد صدور إذن تفتيش رسمي للفيلا.
الحفر في الحديقة كشف الكارثة.
جثة شاب ملفوفة في بطانية، متحللة، وملفوفة بسلك كهرباء، وعليها طبقات من الجير والخرسانة.
تم القبض على الأب، وشريكيه، وبدأت الاعترافات تتوالى.
أسامة قال بهدوء غريب:
“كان هيبوظ حياتي كلها… ابني ولا مش ابني، أنا اللي جبته، وأنا اللي أخلص عليه.”
النيابة وصفته بجريمة قتل مع سبق الإصرار والترصد، وأصدرت المحكمة حكمًا بالإعدام على الأب ومساعدَيه.
الفيلا التي كانت شاهدًا على حياة أسرية مزيفة أصبحت اليوم رمزًا لبشاعة جريمة من نوع خاص: أب قتل فلذة كبده بيديه، ودفنه تحت شجرة، ثم جلس فوقها ليشرب قهوته كل صباح.