
كتبت / رنيم علاء نور الدين
كانت محطة “بنها” في ذلك اليوم تبدو كأنها تقف في حالة ترقب، رغم زحمتها المعتادة. أقدام تسرع للحاق بقطار، وأعين تتابع الشاشات الإلكترونية في انتظار موعد الرحلة القادمة. لكن لا أحد التفت لذلك القطار القديم المتوقف منذ سنوات على رصيف جانبي مهجور، قطار خرج من الخدمة منذ زمن، أصبح مأوى للقطط والتشققات والأسرار.
في ظهيرة يوم خريفي هادئ، عُثر على جثة موظفة شابة داخل إحدى عربات القطار المهجور. كانت “إيمان”، 32 عامًا، تعمل في إدارة الشؤون المالية بإحدى الشركات العقارية الكبرى في القاهرة. خرجت من عملها كعادتها مساء الثلاثاء، ولم تعد. كان هاتفها مغلقًا، وأهلها بدأوا يشعرون بقلق غير معتاد، خاصة وأنها معتادة على إرسال رسالة فور وصولها المنزل. لكنها لم تفعل.
في اليوم التالي، وأثناء مرور أحد عمال النظافة بجوار القطار المهجور، لاحظ أن باب إحدى العربات نصف مفتوح، ويصدر منه رائحة غريبة. اقترب بحذر، وفتح الباب بالكامل، فكانت الصدمة. جسد “إيمان” مسجى على الأرض، مغطى بوشاح أبيض غُمس في دمها، وكأن القاتل أراد أن يترك رسالة، أو توقيعًا خاصًا. الشرطة أطلقت على القضية لاحقًا اسم “الظل الأبيض”.
بدأت التحقيقات فورًا. لم تظهر أي علامات مقاومة عنيفة على جسد الضحية، ولكن التحاليل كشفت عن وجود مادة مخدرة في دمها. بمعنى آخر: تم تخديرها قبل قتلها. لم تُسرق حقيبتها، وكانت تحتوي على هاتفها، ومحفظتها، وأوراقها الشخصية كاملة. لم يكن هناك دافع واضح للسرقة، ما جعل المحققين يشكون في أن الجريمة شخصية.
بالعودة لكاميرات المراقبة الموجودة حول المحطة، ظهر وجه غامض لشاب يرافق “إيمان” قبل اختفائها بساعات. كانا يسيران معًا في شارع جانبي قريب من الشركة، لكن لم تظهر له أي صور داخل المحطة نفسها. لم يكن هناك أثر له بعدها. تم تتبّع هاتف “إيمان”، وتبيّن أنه تم إغلاقه بعد دخولها منطقة “شبرا الخيمة” مساءً، أي قبل اكتشاف الجريمة بما يزيد عن 10 ساعات.
أحد زملائها في العمل، ويدعى “م.س”، قال في شهادته إن “إيمان” كانت تمر بفترة صعبة، وكانت تتلقى تهديدات من شخص مجهول بعد رفضها التورط في توقيع أوراق مالية مشبوهة. لكنه لم يتوقع أبدًا أن تصل الأمور للقتل.
حتى الآن، لا تزال القضية مفتوحة، رغم مرور ثلاثة أسابيع على وقوعها. لا شهود عيان، لا بصمات واضحة، فقط جسد ساكن، ووشاح أبيض ملطخ بالدم.
فمن كان الظل الأبيض الذي أنهى حياة إيمان بهذه الطريقة؟ وهل ستنطق القضبان المهجورة بالحقيقة؟