
كتبت / رنيم علاء نور الدين
لم يكن أحد في القرية الصغيرة التابعة لمركز مغاغة بالمنيا يتوقع أن تصبح «نهى»، فتاة الـ17 عامًا، حديث الناس… لا بسبب فرح أو تفوق دراسي، بل لأنها عادت إلى البيت محمولة في نعش، بعد أن دفنها والدها بنفسه.
في صباح يوم هادئ، خرجت نهى كعادتها لشراء الخبز من فرن قريب.
سلّمت على جارتها العجوز، وابتسمت في وجه طفلة كانت تلعب بجوار باب منزلهم، ثم اختفت.
مرّ اليوم بثقل، والقلق يتصاعد داخل البيت، لكن أكثر ما أثار الريبة، هو هدوء والدها.
لم يسأل، لم يتصل، لم يخرج للبحث… بل جلس في غرفته، صامتًا، وكأن شيئًا لم يحدث.
في المساء، تقدّم ببلاغ إلى مركز الشرطة:
“بنتي خرجت ومارجعتش… يمكن حد خطفها.”
لكنّ رجال الشرطة، المعتادين على تمييز الكذب من الصدق، شعروا أن هناك شيئًا غريبًا.
هدوء الرجل، طريقته في الكلام، نظراته، كلها كانت تشير إلى أنه يخفي شيئًا.
تم تفريغ كاميرات أحد المحال القريبة، وكانت الصدمة…
نهى ظهرت وهي تركب سيارة والدها في تمام الساعة 8:25 صباحًا، ثم لم تظهر بعدها أبدًا.
عاد والدها وحده بعد ساعتين، ووجهه شاحب، وثيابه تحمل آثار تراب.
في التحقيق، لم يصمد طويلًا.
انهار وقال بهدوء مريب:
“آه، أنا اللي قتلتها… دي جابت العار.”
حكى أنه وجد رسائل على هاتفها، ظنّ منها أنها على علاقة بشخص.
رغم أنها أنكرت وبكت وتوسلت، إلا أنه لم يصدق.
قرر أن يدفن شكّه في صدرها.
أخذها في سيارته إلى طريق صحراوي خارج القرية، وهناك، واجهها للمرة الأخيرة، ثم خنقها بشال كانت تضعه على كتفها.
حفر حفرة صغيرة بيديه… ووضع جسدها فيها.
ثم عاد إلى البيت… وغسل يديه، وتناول العشاء كأن شيئًا لم يكن.
في اليوم التالي، وبناءً على اعترافه، تحركت قوة أمنية إلى المكان، وتم استخراج جثمان «نهى»، وبدت ملامح وجهها كما لو كانت لا تزال تبكي، أو تسأل.
وتنتهي الواقعة كما بدأت… بصمت موجع، وسؤال واحد يطاردنا:
كم من الفتيات دُفنّ ظلمًا تحت مسمى “الشك”… ولم يسمع أحد صوتهن قبل الموت؟